حماية الآثار في القانون الدولي والأردني
إن الآثار جزء لا يتجزأ من التاريخ الثقافي والحضاري للدول، كما تعبر عن مدى تقدم وتأخر الحضارات السابقة، وذلك بما تحمله هذه الآثار من قيم تعبر عن الهوية الثقافية والتاريخية الوطنية، لذلك حرصت كافة الدول على الدفاع عن هذه الآثار ضد أي تخريب أو تدمير أو نهب سواء أكان ذلك في فترات السلم أو الحرب، من خلال سن العديد من القواعد القانونية التي تتضمن عقوبات جنائية لمن يحاول التعدي على هذه الآثار.
ثالثا: الحماية الدولية للآثار في وقت السلم:
رابعا: الحماية الدولية للآثار أثناء النزعات المسلحة:
خامسا: دور منظمة اليونسكو في حماية الآثار:
سادسا: حماية الآثار في القانون الأردني:
أولا: تعريف الآثار:
عرف المشرع المصري الآثار في المادة (1) من قانون حماية الآثار رقم (117) لسنة 1983 بأنها:” يعتبر أثراً كل عقار أو منقول أنتجته الحضارات المختلفة أو أحدثته الفنون والعلوم والآداب والأديان من عصر ما قبل التاريخ وخلال العصور التاريخية المتعاقبة حتى ما قبل مائه عام متى كانت له قيمة أو أهمية أثرية أو تاريخية باعتباره مظهرا من مظاهر الحضارات المختلفة التي قامت على أرض مصر أو كانت لها صلة تاريخية بها، وكذلك رفات السلالات البشرية والكائنات المعاصرة له”.
وقد عرفها قانون الآثار الأردني رقم (21) لسنة 1988 بأنها:” أي شيء منقول، أو غير منقول إنشاه ،أو صنعه، أو خطه، أو نقشه، أو بناه أو اكتشفه أو عدله أنسان قبل سنة 1750 ميلادية بما في ذلك المغاور والمنحوتات والمسكوكات والفخاريات والمخطوطات وسائر أنواع المصنوعات التي تدل على نشأة وتطور العلوم والفنون والصنائع والديانات والتقاليد الخاصة بالحضارات السابقة أو أي جزء أضيف الى ذلك الشيء أو أعيد بناؤه بعد ذلك التاريخ، والبقايا البشرية والحيوانية والنباتية التي يرجع تاريخها الى ما قبل سنة ستمائة ميلادية.
ثانيا: أهمية حماية الآثار:
تسعى كافة الدول لفرض حماية واسعة على الآثار والتراث التاريخي لها، وذلك لما تمثله هذه الآثار من هوية الأمة التاريخية والحضارية، كما تمثل أهمية مادية ومعنوية كبيرة للدول.
1- الأهمية المادية للآثار:
تعد الآثار ثروة وطنية، فهي مصدر جذب واهتمام كبير للسياح من جميع الدول، وهو ما يجعلها أحد أهم الموارد الاقتصادية لميزانية الدول، لا سيما إذا كانت هذه الدول تمتلك آثار ومعالم تاريخية كثيرة، حيث إنه في هذه الدول يمثل العائد من السياحة موردا كبير للدخل القومي، وتعمل الآثار من خلال السياحة على تنشيط وتحسين اقتصاد الدول، كما أن الآثار تساهم في خلق فرص عمل لأبناء الدولة من خلال العمل في المجالات السياحية، وتوفر السياحة مصدرا مهما للنقد الأجنبي والعملة الصعبة التي تحتاجها الدولة من أجل تلبية حاجاتها.
وتمثل الآثار مدخل هام للتنمية الاقتصادية، ورافداً من الروافد الرئيسية للعوائد الاقتصادية، لأنها من الموارد الدائمة التي من الممكن إعادة توظيفها واستثمارها، وهو ما يؤدي إلى تحقيق عوائد مالية بصورة متوازنة، كما تساهم الآثار في تحسين دخل أفراد المجتمع، وتساهم أيضا في تحقيق توازن إقليمي بين المناطق من ذلك خلق وظائف جديدة، كما أن الآثار مادة هامة للبحوث العلمية من أجل الوصول المعرفة متكاملة عن حضارة وثقافة الشعوب.[1]
2- الأهمية المعنوية للآثار:
للآثار أهمية معنوية كبيرة تفوق الأهمية المادية، فالآثار تمثل تاريخ الإنسان، وهذه الأهمية ليست للدولة صاحبة الآثار، بل للإنسانية جمعاء، فتراث أي دولة حلقة في سلسلة متصلة من الحلقات عبر تاريخ الإنسانية، فالآثار هي التاريخ الحي للمجتمعات، والشاهد على حضارة وإنجازات المجتمعات، فهي تكشف مدى تقدم وإصالة صناعة هذه الحضارات القديمة، وتبين ما مدى درجة التأثير بين الحضارات يعضها ببعض، ومن خلال هذه الآثار يمكننا من معرفة ماضي وتاريخ الحضارات القديمة.[2]
ثالثا: الحماية الدولية للآثار في وقت السلم:
لما كان الإضرار بالآثار لدولة ما هو إلا إضرار للتراث الإنساني المشترك جميعا، فقد سعت الدول إلى توفير حماية واسعة للآثار من خلال وضع قوانين مشتركة لحماية هذه الآثار، وقد تم عقد الكثير من الاتفاقيات الدولية من أجل ضمان الحفاظ على الآثار وعدم المساس بها، وإدانة أي تخريب أو اتجار غير المشروع لها من قبل قوانين دوليه باعتبار أن هذا الاعتداء هو اعتداء على الإنسانية جمعاء.
1- اتفاقية التراث الثقافي والطبيعي لعام 1972:
تعد اتفاقية حماية التراث الثقافي والطبيعي لعام 1972 أول تقنين دولي لحماية الآثار، وقد سعت هذه الاتفاقية إلى تحديد الآثار ذات القيمة العالمية وحمايتها ونقلها إلى الأجيال، وذلك وفق شروط ومعايير محددة تبنتها في مبادئ تنفيذ هذه الاتفاقية، ويلتزم الدول الأطراف في الاتفاقية في تحديد المواقع التراثية والآثار وحمايتها، وتلتزم الدول الأطراف بتقديم تقارير منتظمة إلى التراث العالمي عن حالة الآثار الموجودة في قائمة التراث العالمي.[3]
وقد نصت اتفاقية التراث الثقافي والطبيعي في المادة (8) على إنشاء لجنة دولية حكومية لحماية التراث العالمي الثقافي والطبيعي لدى منظمة اليونسكو تسمى “لجنة التراث العالمي”، وتقوم الدول الأعضاء في الاتفاقية برفع جرد بممتلكاتها التراثية والآثار الموجودة بها، وتقوم اللجنة بتنقيح هذا الجرد للوقوف على التراث المعرض للخطر، ثم عرضه في قائمة التراث العالمي المعرض للخطر، وتتضمن القائمة نفقات العمليات اللازمة للحفاظ على هذا التراث، وتقرر اللجنة التدابير الواجب اتخاذها بشأن هذه الطلبات.
وقد نصت الاتفاقية أيضا على إنشاء صندوق لحماية التراث العالمي والثقافي والطبيعي يسمى “صندوق التراث العالمي”، ويتكون موارد هذا الصندوق من المساهمات الاختيارية والإجبارية التي تدفعها الدول الأعضاء، والمدفوعات والهدايا التي تقدمها الدول الأخرى أو المنظمات، التبرعات التي تنظم لصالح الصندوق.
ويكون لكل دولة عضو في الاتفاقية طلب العون من الصندوق لصالح ممتلكات التراث الواقعة في إقليمها مع تقديمها تقرير يتضمن المعلومات والوثائق التي تحتاج إليها اللجنة، وتقوم اللجنة بإجراء الدراسات والاستشارات قبل اتخاذ قرارها، وقد يكون العون الذي تمنحه اللجنة إجراء الدراسات التي تتطلبها حماية التراث، أو جلب خبراء وعاملين لتنفيذ المشاريع الضرورية للحفاظ على التراث، وتقديم المعدات، ومنح القروض، وتقديم المنح اللازمة للحفاظ على الآثار.
2- اتفاقية توحيد القانون الخاص حول الممتلكات الثقافية أو المصدرة بطرق غير مشروعة (يونيدروا):
أصبحت سرقة الآثار والتجارة غير المشروعة لها تتزايد بشكل كبير، فأدى ذلك إلى ضياع الكثير من الآثار، وضياع المعلومات التاريخية والعلمية لهذه الآثار، ولا يمكن تعوضها، وهو ما آثر على التراث المشترك للإنسانية جمعاء.
وبسبب عدم قدرة الدولة على إعادة الآثار المسروقة منها، فقد حاول المجتمع الدولي الحد من هذه السرقات، ووضع ضمانات قانونية دولية لحماية الآثار، ومساعدة الدول في استعادة الآثار المملوكة لها، وقد أسهمت جهود المجتمع الدولي في إبرام اتفاقية المعهد الدولي لتوحيد القانون الخاص بشأن الممتلكات الثقافية المسروقة أو المصدرة بطرق غير مشروعة لعام 1995.
وقد اجتمعت الدول الأطراف بروما لاعتماد مشروع اتفاقية توحيد القانون الخاص بشأن الممتلكات الثقافية المسروقة أو المصدرة بطرق غير مشروعة، والذي يتضمن مجموعة من الضمانات والآليات الدولية، ومن بين هذه الضمانات التركيز على المعاملة الموحدة في رد أو إعادة القطع الأثرية المسروقة أو المصدرة، ومعالجة المطالبات برد القطع الأثرية من خلال المحاكم الوطنية والسلطات المختصة في الدول الأطراف.
وقد جاء في أحكام هذه الاتفاقية أن القطعة الأثرية تعد مسروقة إذا تم التنقيب عليها بشكل غير قانوني أو تم التنقيب عليها بشكل قانوني، ولكن تم الاحتفاظ بها بشكل غير قانوني، وأيضا تعد القطعة مصدرة بطريقة غير مشروعة إذا تم تصديرها من أجل الترميم أو البحث أو العرض ولم يتم إعادتها، ويجب على الدولة المسروقة منها القطعة الأثرية تقديم طلب خلال 3 سنوات من تاريخ معرفة الدولة بمكان القطعة المسروقة وهوية حائزها، ويجب أن يحتوي الطلب على معلومات حول الطبيعة الوقائية والقانونية.
ويحق لحائز القطعة المسروقة الحصول على تعويض معقول، بشرط ألا يعلم الحائز بأن القطعة مسروقة، ويتم إثبات عدم علمه من خلال ظروف حيازته، وحيازته لشهادة تصدير، واتخاذه الاحتياطات اللازمة عند اقتنائه هذه الآثار، كما يجوز للحائز أن يتفق مع الدولة المسروق منها القطعة الأثرية الاحتفاظ بالقطعة الأثرية أو نقل ملكيتها لشخص آخر مقابل مبلغ مالي أو مجانا.
وقد ساهمت هذه الاتفاقية بشكل كبير في توفير ضمانات تمكن الدول وتسهل عليها استعادة أثارها المسروقة منها، من خلال تعزيز التعاون الثقافي الدولي، والحفاظ أيضا على التجارة المشرعة للآثار واتفاقيات التبادل الثقافي بين الدول.
3- اللجنة الدولية الحكومية لتعزيز إعادة الممتلكات الثقافية إلى بلادها الأصلية أو ردها في حالة الاستيلاء غير المشروع:
تم إنشاء هذه اللجنة في عام 1978 تحت رعاية اليونسكو كهيئة حكومية دولية دائمة، وتعد اللجنة بمثابة هيئة استشارية وتناط بها مسؤولية تسهيل المفاوضات الثنائية، فتقدم خدمات للتوسط بين الدول المتنازعة بشأن إعادة أو رد الممتلكات الثقافية، ولا تتحلى بأي سلطة قانونية تخولها البت في القضايا المتنازع فيها، وتتألف هذه اللجنة من 21 عضو وتجتمع مرة كل عامين.
رابعا: الحماية الدولية للآثار أثناء النزعات المسلحة:
حاول المجتمع الدولي إبرام العديد من الاتفاقيات الدولية من أجل فرض حماية دولية للآثار على عاتق أطراف النزاع المسلح للحد من التعديات على الآثار أثناء النزعات المسلحة، ومنع استخدام الممتلكات الأثرية في العمليات العسكرية.
ومن ضمن هذه الاتفاقيات التي أبرمها المجتمع الدولي اتفاقية باريس لعام 1815 التي نصت على حماية المتاحف والمصنفات الفنية لأي بلد، ومن بعدها اتفاقية لاهاي لعام 1907 التي تضمنت قوانين وأعراف لحماية الآثار أثناء النزاع، كما حظيت الممتلكات الفنية بحماية أيضا بموجب اتفاقية جنيف لعام 1949 حيث حظرت الأعمال العدائية ضد الآثار والأعمال الفنية وأماكن العبادة التي تشكل تراث ثقافي، مرورا باتفاقية لاهاي1954 التي اهتمت بوضع أحكام خاصة للممتلكات الثقافية أثناء النزعات المسلحة، وذلك من خلال البروتوكول الأول والثاني في عام 1999، ومن خلال اتفاقية لاهاي فقد وفر المجتمع الدولي ثلاث صور لحماية الآثار أثناء النزعات المسلحة وهي الحماية العامة والحماية الخاصة والحماية المعززة.
1- الحماية العامة للآثار:
تتمتع كافة الآثار بحماية عامة، فقد وزعت اتفاقية لاهاي لعام 1954 مسئولية الحماية بين الدول الأطراف في أي نزاع مسلح لحماية الآثار الموجودة على الإقليم الذي تدور عليه العمليات العسكرية، فتلتزم الدولة صاحبة الإقليم باتخاذ كافة الإجراءات التي تضمن عدم تعرض الآثار للاعتداء، وتلتزم القوات المحاربة التابعة للدولة أو للدول الأخرى في النزاع المسلح باتخاذ الإجراءات لمنع الاعتداء على هذه الممتلكات إلا في حالة الضرورة الحربية القهرية.[4]
قد يقع النزاع المسلح بين دولتين أو أكثر، وقد يقع النزاع بين الدولة ورعاياها كما في حالة الحروب الأهلية، وفي جميع الأحوال فإن الممتلكات الأثرية تحظى بحماية دولية بموجب الاتفاقيات الدولية، وقد جاء في اتفاقية لاهاي باتخاذ التدابير اللازمة لتفادي ضرب الممتلكات الثقافية، وقد نصت اتفاقية لاهاي أيضا على نوعين من الحماية العامة للآثار الوقاية والاحترام.
أ- الوقاية:
فوفقا لما جاء في اتفاقية لاهاي فإنه يجب وقاية الممتلكات الثقافية واحترامها، وأن الوقاية المطلوبة تتعهد بها الدول الأطراف تجاه الممتلكات الثقافية الكائنة في أرضها من الأضرار التي تنجم عن نزاع مسلح، وتتمثل هذه الوقاية في اتخاذ الدولة التدابير المناسبة منذ وقت السلم، لتوخي أي أضرار قد تحدث للممتلكات الثقافية في حالة حدوث أي نزاع مسلح، وهو ما أشار إليها البروتوكول التكميلي الثاني لاتفاقية لاهاي والتي تتعهد الدول باتخاذها لصون الممتلكات الثقافية.[5]
ومن التدابير الوقائية على سبيل المثال تجنب إقامة أهداف عسكرية على مقربة من ممتلكات ثقافية، ونقل الآثار عن جوار الأهداف العسكرية أو توفير الحماية اللازمة إذا كان من الصعب نقلها.
ب- الاحترام:
إن مبدأ الحماية في حد ذاته يقوم على مبدأ أو مفهوم الاحترام الذي نصت عليه اتفاقية لاهاي، حيث ألزمت الدول الأطراف باحترام الممتلكات الثقافية الموجودة على أراضيها أو أراضي الأطراف الأخرى ويكون الاحترام بالامتناع عن استعمال الممتلكات الأثرية أو الأماكن المجاورة لها لأي غرض عسكري من شأنه أن يعرضها للتدمير في حالة النزاع المسلح، وأيضا الامتناع عن أي عمل عدائي ضد الممتلكات الثقافية.[6]
وقد نصت اتفاقية لاهاي على احترام الآثار وذلك بمنع أي شكل من أشكال السرقة أو النهب أو التبديد للممتلكات الثقافية، وحظر أي عمل تخريبي موجه ضد هذه الممتلكات، وعدم الاستيلاء على ممتلكات ثقافية موجودة في أراضي دولة طرف أخرى، كما تتعهد الأطراف بالامتناع عن أي تدابير انتقامية ضد الممتلكات الثقافية، ولا يجوز لأي من الأطراف أن يتحلل من الالتزامات الخاصة باحترام الآثار بحجة أن هذا الأخير لم يتخذ التدابير الوقائية.
ج- الاستثناءات الواردة على الحماية العامة:
قد أوردت اتفاقية لاهاي استثناءات على الحماية العامة للآثار، حيث جاء بالمادة الرابعة من الاتفاقية بأنه: ” لا يجوز التخلي عن الالتزام باحترام جميع الممتلكات الثقافية المذكورة أعلاه إلا في الحالات التي تستلزمها الضرورات الحربية القهرية”، كما أشار البروتوكول الثاني للحالات التي لا تتمتع فيها الآثار بالحماية حيث جاء في الفقرة (أ) المادة (6) لعام 1999 بأنه:” لا يجوز التذرع بالضرورات العسكرية القهرية للتخلي عن الالتزامات عملاً بالفقرة 2 من المادة 4 من الاتفاقية من أجل توجيه عمل عدائي ضد ممتلكات ثقافية إلا إذا كانت، وما دامت : 1:تلك الممتلكات الثقافية قد حولت من حيث وظيفتها، إلى هدف عسكري.2:ولم يوجد بديل عملي لتحقيق ميزة عسكرية مماثلة للميزة التي يتيحها توجيه عمل عدائي ضد ذلك الهدف”.
الحالة الأولي: أن تكون الآثار قد حولت من حيث وظيفتها إلى هدف عسكري:
فالدولة التي يوجد بها الممتلكات الأثرية على أرضها يجب ألا تستعمله لأي غرض عسكري، كاستخدام الممتلكات الثقافية في دعم المجهود الحربي أو استخدامها في الهجمات العسكرية، فإذا قامت بذلك فإن الممتلكات في هذه الحالة تفقد الممتلكات الأثرية الحماية المنصوص عليها في اتفاقية لاهاي.
الحالة الثانية: ألا يوجد بديل عملي لتحقيق ميزه عسكرية مماثلة للميزة التي يتيحها توجيه عمل عدائي ضد هذا الهدف:
عرف البروتوكول الثاني لاتفاقية لاهاي في المادة الأولي منه الهدف العسكري بأنه:” إحدى الأعيان التي تسهم، بحكم طبيعتها أو موقعها أو الغرض منها أو استخدامها، إسهاماً فعالاً في العمل العسكري، والتي يحقق تدميرها التام أو الجزئي أو الاستيلاء عليها أو تعطيلها في الظروف السائدة في ذلك الوقت، ميزة عسكرية أكيدة”.
فاتفاقية لاهاي أوردت استثناء آخر للحماية العامة للآثار حيث أجازت توجيه العمل العسكري ضد الممتلكات الثقافية إذا كان ذلك يحقق ميزه عسكرية ولا يوجد أمام القوات العسكرية أي بديل مماثل لها، كما حظرت الاتفاقية الأطراف من التذرع بالضروريات العسكرية لضرب الممتلكات الثقافية، فلا يجوز استخدام ممتلكات ثقافية لأي غرض قد يعرضها لتدمير أو ضرر إلا إذا لم يوجد خيار ممكن بين ذلك الاستخدام للممتلكات الثقافية وبين أسلوب آخر يمكن اتباعه لتحقيق ميزة عسكرية مماثلة.
2- الحماية الخاصة للآثار:
نصت المادة الثامنة من اتفاقية لاهاي على أنه: “يجوز أن يوضع تحت الحماية الخاصة عدد محدود من المخابئ المخصصة لحماية الممتلكات الثقافية المنقولة، ومراكز الأبنية التذكارية، والممتلكات الثقافية الثابتة الأخرى ذات الأهمية الكبرى”. فإلى جانب الحماية العامة نصت اتفاقية لاهاي على تمتع الممتلكات الأثرية بحماية خاصة، إذا كان لهذه الممتلكات أهمية كبرى للتراث الإنساني، وقد حددت الاتفاقية الممتلكات التي تتمتع بالحماية الخاصة وهي الممتلكات الثقافية المنقولة الثابتة، ومراكز الأبنية التذكارية، والممتلكات الثابتة الأخرى ذات الأهمية الكبرى، ولا تتمتع هذه الممتلكات بالحماية الخاصة إلا بتوافر شروط محددة.
أ- شروط منح الحماية الخاصة:
لكي تتمتع الممتلكات الأثرية بالحماية الخاصة، فإنه يجب توافر الشروط التالية:
الشرط الأول: عدم استخدام الممتلكات الأثرية لأغراض حربية:
لا تتمتع الممتلكات الأثرية بالحماية الخاصة إذا تم استخدام هذه الممتلكات في أي غرض حربي، حيث يعتبر في هذه الحالة هدفا عسكري، كأن يتم استعمال الممتلكات الأثرية لدعم المجهود الحربي، أو تنقلات القوات العسكرية، أو استعمال هذه الممتلكات كمخزن للمواد الحربية، أو استخدامه في أي غرض له صلة مباشرة بالعمليات العسكرية أو تصنيع المواد العسكرية، كما يعد مجرد المرور من الممتلكات الأثرية استعمال لغرض حربي.
الشرط الثاني: أن تكون الممتلكات الثقافية واقعة على مسافة كافية من أي مركز صناعي كبير أو أي مرمى عسكري:
لكي تتمتع الممتلكات الأثرية بالحماية الخاصة يجب توافر الشرط الثاني الذي نصت عليه اتفاقية لاهاي أن تكون الممتلكات الثقافية تقع على مسافة كافية من مركز صناعي كبير أو أي هدف عسكري هام يعتبر نقطة حيوية، ولم تحدد الاتفاقية مقدار هذه المسافة الكافية أو معيار تحديد هذه المسافة، ومن أمثلة النقاط الحيوية المطارات، أو محطات الإذاعة ،أو الموانئ، أو مصانع الدفاع الوطني، والسكك الحديدية.
وقد أجازت الاتفاقية وضع الممتلكات الأثرية تحت الحماية الخاصة بالرغم من وقوعه بجوار هدف عسكري هام، وذلك إذا ما تعهد الطرف السامي المتعاقد بعدم استعمال الهدف المذكور في حالة نشوب نزاع مسلح، ولا سيما إذا كان الهدف ميناء أو محطة سكة حديد أو مطاراً، وبتحويل كل حركة المرور منه، ويجب في هذه الحالة تنظيم تحويل حركة المرور منه منذ وقت السلم.
الشرط الثالث: أن يتم قيد هذه الممتلكات في السجل الدولي للممتلكات والآثار:
لا تتمتع الممتلكات الأثرية بالحماية الخاصة بمجرد توافر الشروط السابقة، بل يجب قيد الممتلكات الأثرية التي ترغب الدولة الطرف في الاتفاقية في توفير الحماية الخاصة لها في السجل الدولي للممتلكات الثقافية الموضوعة تحت نظام الحماية الخاصة الذي تشرف عليه منظمة اليونسكو.
والدولة التي ترغب في قيد ممتلكاتها الأثرية في السجل، يجب أن تكون طرفا في اتفاقية لاهاي، وأن يتوفر في الممتلكات الأثرية شروط الحماية الخاصة، ويجب أن يتم تقديم طلب من الدولة للمدير العام لليونسكو، وأن يتضمن الطلب كافة البيانات المتعلقة بالممتلكات الأثرية، ويتم إرسال نسخ من الطلب للدول الأعضاء، ويتم فتح مدة أربعة أشهر للاعتراض من جانب باقي الدول الأعضاء على التسجيل، ويجب أن يكون الاعتراض مكتوبا ومسببا، وإذا لم يتم تقديم أي اعتراض يقوم المدير العام لليونسكو بتسجيل الممتلكات الأثرية ويعطيها رقم متسلسلا، وإذا تم تقديم اعتراض فلا يتم تسجيل الممتلكات الأثرية حتي يتم سحب الاعتراض أو عدم التصديق عليه.
الشرط الرابع: أن يبنى الممتلك الثقافي بشكل لا يجعل من المحتمل أن تمسه القنابل:
أجازت اتفاقية لاهاي في المادة الثامنة وضع مخابئ الممتلكات الثقافية تحت نظام الحماية الخاصة مهما كان موقعه، وذلك بشرط أن يتم بناء هذه المخابئ بشكل لا يجعل من المحتمل أن تمسها القنابل.
الشرط الخامس: الالتزام بوضع شعار التمييز:
ألزمت اتفاقية لاهاي الدول الأطراف أثناء قيام نزاع مسلح بوضع شعار مميز على الممتلكات الثقافية الموضوعة تحت نظام الحماية الخاصة لتمييز هذه الممتلكات، والسماح بجعلها تحت رقابة ذات طابع دولي، طبقاً لأحكام اللائحة التنفيذية، كما يجوز للوكيل العام السماح بوضع الشعار المميز على المخابئ المرتجلة إذا وجد أن الظروف وأهمية الممتلكات تبرر وضع الشعار.
في حالة عدم قيام الدولة بتمييز آثارها بالشعار المميز فإنها تخاطر بأن يكون الطرف المعادي غير قادر على تحديد الآثار وقد يتخذها هدفا للأعمال العدائية.[7]
ب- حصانة الآثار الموضوعة تحت نظام الحماية الخاصة:
نصت اتفاقية لاهاي في المادة (9) على أنه: ” تتعهد الأطراف السامية المتعاقدة بأن تكفل حصانة الممتلكات الثقافية الموضوعة تحت نظام الحماية الخاصة بامتناعها عن أي عمل عدائي نحو هذه الممتلكات بمجرد قيدها في “السجل الدولي” وعن استعمالها أو استعمال الأماكن المجاورة لها مباشرةً لأغراض حربية إلا في الحالات المنصوص عليها في الفقرة الخامسة من المادة الثامنة”.
تتمتع الآثار بالحماية الخاصة منذ قيدها في السجل الدولي للممتلكات الثقافية، ويتم وضع الشعار المميز على هذه الآثار، وتلتزم الدولة التي تقع على إقليمها الآثار المشمولة بالحماية الخاصة عن استخدام هذه الآثار أو الأماكن المجاورة لها في أي غرض عسكري، وتلتزم الأطراف الأخرى في النزاع المسلح بالامتناع اتخاذ أي عمل عدائي ضد هذه الآثار.، كما أقرت الاتفاقية أيضا حماية جميع الموظفين المشرفين على الآثار وحمايتها.
ووفقا لاتفاقية لاهاي تتمتع الآثار المشمولة بالحماية الخاصة بحصانة ضد الاستيلاء والحجز والغنيمة، غير أن ذلك لا يمنع من حق الزيارة والتفتيش لهذه الآثار للتأكد من التزام الدول بشروط اتفاقية لاهاي.
ج- نظام نقل الممتلكات التي تتمتع بالحماية الخاصة:
نصت اتفاقية لاهاي على تمتع الممتلكات الثقافية المشمولة بالحماية الخاصة بالحصانة أثناء نقلها، وقد اشترطت الاتفاقية لكي تتمتع الممتلكات بالحصانة أثناء النقل، أن يتم النقل بناء على طلب من الدولة صاحبة الشأن، وأن يتم النقل تحت إشراف دولي، وأن يتعهد الطرف المتعاقد لأي عمل عدائي اتجاه نقل هذه الممتلكات، كما يجب إخطار الطرف المعادي بعملية النقل، ويجب أن يتم وضع شعار مميز أثناء عملية النقل، وتتعهد الأطراف السامية المتعاقدة بالامتناع عن أي عمل عدائي نحو أي نقل يتم تحت نظام الحماية الخاصة.[8]
أما إذا كان سلامة بعض الممتلكات الثقافية تتطلب نقلها على عجل حيث يصعب قيام الدولة بهذه الإجراءات، كما في حالة نشوب نزاع مسلح، فيجوز أن يستعمل في النقل الشعار المميز، ويجب بقدر المستطاع إخطار الطرف المعادي بهذا النقل، ولا يجوز بحال من الأحوال وضع الشعار على نقل متجه إلى بلد آخر إن لم تمنح الحصانة صراحة.
كما تتعهد الأطراف السامية المتعاقدة، بقدر استطاعتها، باتخاذ الاحتياطات اللازمة لحماية عمليات النقل والتي تحمل الشعار المميز، من أية عمليات عدائية موجهة ضدها.
3- الحماية المعززة للممتلكات:
تعد الحماية المعززة أحد أنواع الحماية التي نص عليها البرتوكول الثاني لاتفاقية لاهاي، حيث تختص بحماية الممتلكات الثقافية ذات الأهمية الكبيرة للبشرية، وقد حدد البروتوكول شروط هذه الحماية.
أ- شروط منح الحماية المعززة:
لكي يتم منح الحماية المعززة للممتلكات الأثرية يجب توافر ثلاثة شروط في هذه الممتلكات حددها البروتوكول الثاني لعام 1999 لاتفاقية لاهاي في المادة العاشرة حيث جاء فيها أنه:” يجوز وضع الممتلكات الثقافية تحت الحماية المعززة شريطة أن تتوافر فيها الشروط الثلاثة التالية:
- الشرط الأول: أن تكون تراثاً ثقافياً على أكبر جانب من الأهمية بالنسبة إلى البشرية.
- الشرط الثاني: أن تكون محمية بتدابير قانونية وإدارية مناسبة على الصعيد الوطني تعترف لها بقيمتها الثقافية والتاريخية الاستثنائية وتكفل لها أعلى مستوى من الحماية.
- الشرط الثالث: ألا تستخدم لأغراض عسكرية أو كدرع لوقاية مواقع عسكرية، أن يصدر الطرف الذي يتولى أمر مراقبتها إعلاناً يؤكد على أنها لن تستخدم على هذا النحو”.
وقد أجاز البروتوكول في حالات استثنائية كفترات النزاع المسلح أن تمنح لجنة حماية الممتلكات الثقافية الحماية المعززة للممتلكات الأثرية، وذلك عندما تتأكد اللجنة إلى أن الطرف طالب إدراج هذه الممتلكات الثقافية على القائمة لا يستطيع الوفاء بالشرط الثاني الوارد بالمادة العاشرة والمتمثل في أن تكون الممتلكات الثقافية محمية بتدابير قانونية وإدارية مناسبة على الصعيد الوطني تعترف لها بقيمتها الثقافية والتاريخية الاستثنائية وتكفل لها أعلى مستوى من الحماية، وذلك على أن يقدم الطرف الطالب طلباً بالمساعدة الدولية وفقا لما ورد بالمادة 32.
ب- إجراءات منح الحماية المعززة:
لكي يتم إدراج الممتلكات الثقافية في قائمة الحماية المعززة تقدم الدولة طلبا إلى لجنة حماية الممتلكات الثقافية المختصة بمنح الحماية المعززة، وذلك بعد انطباق شروط منح الحماية المعززة، ويجب على الدولة أرفاق كافة المعلومات الضرورية الخاصة بالممتلكات المراد منح الحماية لها.
ويمكن للجنة أن تدعو أحد الأطراف إلى طلب إدراج الممتلكات الثقافية، كما يجوز لأي طرف من أطراف الاتفاقية أو اللجنة الدولية للدرع الأزرق وغيرها من المنظمات غير الحكومية ذات الخبرة المتخصصة في هذا المجال، أن تزكي للجنة ممتلكات ثقافية معينة لإدراجها في قائمة الحماية المعززة.
وإذا تلقت لجنة الحماية طلب الإدراج فإنها تقوم بإبلاغ أطراف الاتفاقية بهذا الطلب، ويمكن للأطراف خلال ستين يوما تقديم اعتراض على هذا الطلب، ويجب أن يكون الاعتراض بخصوص عدم توافر شروط الحماية المعززة، وأن تكون محددة وذات صلة بوقائع معينة، وقد أعطت الاتفاقية للدولة مقدمة الطلب حق الرد خلال مدة معقولة على الاعتراض، ويجوز للجنة عند البت في الطلب أن تلتمس المشورة لدى المنظمات الحكومية وغير الحكومية، وتتخذ اللجنة قرارات الإدراج على القائمة بأغلبية أربعة أخماس أعضائها الحاضرين.
كما يجوز في حالة نشوب قتال أن يطلب أحد الأطراف المتنازعة – بالاستناد إلى حالة الطوارئ – حماية معززة على للممتلكات الثقافية التي تخضع لولايته أو مراقبته، وفي هذه الحالة تنظر اللجنة بصفة مستعجلة في الطلب المقدم من الأطراف من احتجاجات، ويتخذ قرار منح الحماية المعززة مؤقتا بأسرع وقت.[9]
وتمنح اللجنة الحماية المعززة للممتلكات الثقافية بمجرد إدراجها على القائمة، ويجب على المدير العام للجنة دون إبطاء إلى الأمين العام للأمم المتحدة وإلى جميع الأطراف، إشعاراً بأي قرار تتخذه اللجنة بإدراج ممتلكات ثقافية على القائمة، وتتمتع الممتلكات الثقافية المشمولة بالحماية المعززة بحصاة ضد أي عمل عدائي، كما يحظر استعمالها أو استعمال الأماكن المجاورة لها في دعم الأعمال العسكرية.
ج- فقدان الحماية المعززة:
تفقد الممتلكات الثقافية المشمولة بالحماية المعززة في حالتين، إذا علقت أو ألغيت تلك الحماية، وتفقد الحماية أيضا إذا أصبحت تلك الممتلكات الثقافية هدفاً عسكريا.
الحالة الأولى: إذا ألغيت أو علقت تلك الحماية:
تفقد الممتلكات الأثرية الحماية المعززة إذا قررت لجنة حماية الممتلكات ألغاء الحماية بحذف هذه الممتلكات من القائمة أو تعليق هذه الحماية مؤقتا، وذلك عندما تفقد هذه الممتلكات أحدي شروط الحماية المعززة، أو عندما يتم استخدام الممتلكات الثقافية المشمولة بحماية معززة في دعم العمل العسكري، وفي حالة استمرار تلك الانتهاكات.
الحالة الثانية: إذا أصبحت تلك الممتلكات الثقافية هدفاً عسكريا:
تفقد الممتلكات الأثرية الحماية المعززة إذا أصبحت بحكم استخدامها هدفا عسكريا، وفي الحالة التي تصبح الممتلكات الثقافية المشمولة بالحماية المعززة بحكم استخدامها هدف عسكري فلا يجوز مهاجمتها إلا ذا كان الهجوم هو الوسيلة الوحيدة لإنهاء استخدام الممتلكات كهدف عسكري، وأن يتم اتخاذ جميع الاحتياطات الممكنة في اختيار وسائل الهجوم وأساليبه بهدف إنهاء ذلك الاستخدام وتجنب الإضرار بالممتلكات الثقافية أو حصره في أضيق نطاق ممكن، وأن يصدر إنذار مسبق فعلي إلى القوات المجابهة بطلب إنهاء استخدام الممتلكات كهدف عسكري، ويتاح فترة معقولة من الوقت حتى تتمكن القوات من تصحيح الوضع، ويجب أن يصدر الأمر بالهجوم من أعلى مستوى قيادي.
خامسا: دور منظمة اليونسكو في حماية الآثار:
ساهمت منظمة اليونسكو في توفير حماية للآثار في وقت السلم، كما ساهمت أيضا بحماية الآثار في حالات النزاع المسلح.
1- دور منظمة اليونسكو في حماية الآثار في وقت السلم:
تسعى منظمة اليونسكو إلى حماية الممتلكات الأثرية والحفاظ عليها، حيث جاء بالمادة الأولى من ميثاق المنظمة على أنها:” تعمل على حفظ المعرفة وصون وحماية التراث العالمي من الكتب والأعمال الفنية وغيرها من الآثار التي لها أهميتها التاريخية أو العلمية، ولتوصية الشعوب صاحبة الشأن بعقد اتفاقات دولية لهذا الغرض”.
فمنظمة اليونسكو ساهمت في إبرام العديد من الاتفاقيات المتعلقة بحماية الآثار والحفاظ عليها، مثل اتفاقية باريس التي تهدف لمنع وحظر الاستيراد والتصدير والنقل غير المشروع للممتلكات الأثرية، وأيضا ساهمت المنظمة في إبرام اتفاقية حماية التراث العالمي الثقافي والطبيعي، وأيضا الاتفاقية الخاصة بحماية التراث الثقافي المغمور بالمياه، كما أبرمت المنظمة اتفاقية حماية التراث الثقافي غير المادي.
كما تسعى إلى تطوير الحماية وتوسيعها من خلال القرارات والتوصيات التي تصدرها المنظمة، كما في حالة النداءات التي قامت بها المنظمة للحفاظ على المباني التاريخية وحمايتها من الزحف العمراني بنقل الحركة التجارية والصناعية بعيدا عنها، كما صدر عن المنظمة توصيات دولية لصون الممتلكات التي تهددها الأشغال العامة، وأيضا صدر عن المنظمة التوصية الخاصة بالتبادل الدولي للممتلكات الثقافية والتزام الدول بمكافحة الإتجار غير المشروع بالممتلكات الثقافية.
2- دور منظمة اليونسكو في حماية الآثار في وقت النزاعات المسلحة:
لمنظمة اليونسكو دور كبير وهام في حماية الممتلكات الثقافية خلال فترات النزاع المسلح سواء كان هذا النزاع داخليا أو دوليا.
يمكن لمنظمة اليونسكو في حالات النزاعات المسلحة تقديم المساعدة التقنية، والتي تتمثل في تنظيم حماية الممتلكات الأثرية، وحل أي مشكل قد تنتج عن تطبيق الاتفاقية أو اللائحة التنفيذية لها، وتقدم اليونسكو المساعدة في حدود ما يتاح لها من برامج والموارد المالية، كما تشجع اليونسكو الدول على تقديم المساعدة على صعيد ثاني أو متعدد الأطراف.[10]
يجوز للمدير العام لمنظمة اليونسكو تلقي التقارير الخاصة بحماية الآثار في المناطق التي يدور فيها نزاع مسلح، لتقييم أي حالة من حالات التدمير أو النهب للآثار، كما أنه يمكن لمدير اليونسكو أن يطلب من الدول المتنازعة تعيين دولة أو دولا حامية، وفي حالة نشوب نزاع ولا يوجد دولا حامية فإنه يجوز للمدير العام أن يقدم مساعيه الحميدة أو أن يقوم بأي شكل من أشكال التوفيق أو الوساطة لتسوية الخلاف، وإضافة لذلك قد يقوم المدير العام بتسجيل بعض الآثار بصفة مؤقتة في السجل الدولي للممتلكات الثقافية الموضوعة تحت الحماية الخاصة حال نشوب نزاع.[11]
سادسا: حماية الآثار في القانون الأردني:
1: الحماية المادية للآثار:
الحماية المادية هي عبارة عن الأعمال التي تقوم بها الدولة للحفاظ على الآثار، مثل ترميم وصيانة الآثار، وتدريب الكوادر البشرية الفنية للتعامل مع الآثار، كما تقوم الدولة بنشر الثقافة الأثرية من خلال نشر الوعي بقيمة وأهمية الآثار بين أفراد المجتمع، ومنع العبث بها أو الاعتداء عليها.
قامت المملكة الأردنية بدور كبير في مجال حماية الآثار من خلال تسجيل وتوثيق هذه الآثار والإشراف عليها، وتوفير الكوادر الوطنية الفنية التي تساهم في ترميم وصيانة هذه الآثار، كما قامت بإنشاء المتاحف التاريخية والفنية لحفظ الآثار، ونشر الوعي الثقافي للآثار، والتعاون مع الجهات الأثرية المحلية والدولية من أجل دعم الحماية للممتلكات الأثرية من التهديدات التي قد تتعرض لها.
ومن أجل حماية الآثار فقد نص المشرع الأردني على ما يسمى بمسافة الحماية – وهي المسافة العازلة بين بعض المنشآت وبين الموقع الأثري – حيث وفقا للمادة (13) من قانون الآثار الأردني، لا يجوز إقامة أي بناء إلا إذا كان يبعد عن الآثار بمسافة تتراوح ما بين خمسة أمتار إلى خمسة وعشرين مترا، وذلك لقاء تعويض عادل، كما حظر كذلك من إقامة صناعات ثقيلة أو خطيرة أو أفران كلس أو محاجر على مسافة تقل عن واحد كيلو متر من حرم المواقع الأثرية، مع الحصول على موافقة دائرة الآثار العامة الأردنية.[12]
2- الحماية القانونية للآثار:
الحماية القانونية للآثار هي عبارة عن القوانين والتشريعات التي تسنها الدولة لحماية الآثار والحفاظ عليها، ومعاقبة أي شخص قد يعتدي عليها، وقد نظم المشرع الأردني في قانون الآثار الأردني رقم 23 لسنة 2004، وقانون التراث الحضري والعمراني رقم 5 لسنة 2005، الذي جاء فيهما أحكام وقواعد حماية الآثار المنقولة والثابتة، وأيضا يتضمن عقوبات جنائية للمخالفين.
وقد جاء في أحكام هذه القوانين منع أي شخص طبيعي أو معنوي من التنقيب عن الآثار في أي مكان في المملكة ولوكان مملوكا له، وذلك وفقا لما ورد لمادة (16) من قانون الآثار رقم 21 لسنة 1988 حيث جاء فيها أنه:” 1- للدائرة وحدها الحق في القيام بأعمال التنقيب عن الآثار في المملكة ولها بموافقة الوزير أن تسمح للمؤسسات والهيئات والجمعيات العلمية والبعثات الأثرية بالتنقيب عن الآثار بترخيص خاص وفقاً لأحكام هذا القانون وذلك بعد التأكد من مقدرتها وكفاءتها على أن يجرى التنقيب وفقاً للشروط التي يحددها المدير. 2- مع مراعاة أحكام الفقرة (أ) من هذه المادة يحظر على أي شخص طبيعي أو معنوي التنقيب عن الآثار في أي مكان في المملكة حتى ولو كان مملوكاً له”.
كما أن المشرع قد وضع عقوبات جزائية لكل من يقوم بالتنقيب على الآثار أو يتاجر بها أو يقوم بإتلافها أو تدميرها أو تزويرها وذلك وفقا لما ورد بالمادة (26) لسنة 1988 حيث جاء بها أنه:
“1- يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على ثلاث سنوات وبغرامة لا تقل عن ثلاثة الأف دينار وبما يتناسب مع قيمة الأثر كل من :أ- قام بالتنقيب عن الآثار دون الحصول على رخصة بمقتضى أحكام هذا القانون .
أ- تاجر بالآثار أو ساعد أو شارك أو تدخل أو حرض على ذلك .
ب- لم يقدم للدائرة جدولا بالآثار التي يملكها أو في حيازته عند نفاذ أحكام هذا القانون .
ج- قام متعمدا بإتلاف أو تخريب أو تشويه أي أثار بما في ذلك تغيير معالمها أو فصل أي جزء منها أو تحويرها .
د- زور أي اثر أو عمد الى تزييفه .
هـ-امتنع أو تخلف عن تسليم الآثار التي اكتشفها أو عثر عليها الى الدائرة سواء كان يحمل رخصة للتنقيب أو لم يكن يحملها في المدة الزمنية المقررة .
ز- نقل أي اثر أو تصرف به خلافا لأحكام هذا القانون بما في ذلك إخفاؤه أو تهريبه .
ح- قام بسرقة القطع الأثرية .
ط- تاجر بالقطع المقلدة على أنها قطع اثريه اصليه .
2- تتم مصادرة المواد الأثرية التي يتم ضبطها نتيجة ارتكاب الأفعال المذكورة في الفقرة (أ) من هذه المادة وتسليمها إلى الدائرة”.
إعداد/ مصطفى كامل.
[1] أنظر دكتور فطيمة حمادو، الحماية القانونية للآثار على ضوء التشريعات الوطنية والاتفاقيات الدولية، ص 29
[2] أنظر دكتور إسلام عبد الله عبد الغني، أهمية الآثار الاقتصادية والتاريخية والأركيولوجيا لدول شمال أفريقيا، مجلة أفكار وأفاق، العدد 9لسنة لسنة 2017 ص 34
[3] أنظر دكتور حمادو فطيمة، الحماية القانونية للآثار على ضوء التشريعات الوطنية والاتفاقيات الدولية، ص 50
[4] أنظر دكتور ناظر أحمد، القواعد القانونية الوطنية والدولية لحماية الآثار أثناء النزعات المسلحة الداخلية، مجلة جامعة تكريت للحقوق، العدد 2، لسنة 1، ص 827
[5] أنظر دكتور عادل يوسف حسن، حماية الآثار وفق القانون الدولي الإنساني أثناء النزعات المسلحة، ص 45
[6] أنظر دكتور سعاد حلمي عبد الفتاح، حماية الممتلكات الثقافية في القدس في ظل القانون الدولي، ص 24
[7] أنظر دكتور حمادو فطيمة، الحماية القانونية للآثار على ضوء التشريعات الوطنية والاتفاقيات الدولية، ص 83
[8] أنظر دكتور سعاد حلمي عبد الفتاح، حماية الممتلكات الثقافية في القدس في ظل القانون الدولي، ص 33
[9] أنظر دكتور سعاد حلمي عبد الفتاح، حماية الممتلكات الثقافية في القدس في ظل القانون الدولي، ص 36
[10] أنظر دكتور طحرور فيصل، دور اليونسكو في حماية الممتلكات الثقافية زمن النزعات المسلحة، ص 333
[11] أنظر دكتور حمادو فطيمة، الحماية القانونية للآثار على ضوء التشريعات الوطنية والاتفاقيات الدولية، ص 160
[12] أنظر دكتور بنان عبد الحق رشيد، الحماية الجنائية للآثار والتراث الثقافي بين التشريعات الوطنية والمواثيق الدولية، ص 48

