جريمة الاحتيال الإلكتروني

جريمة الاحتيال الإلكتروني

الاحتيال الإلكتروني هو أحد صور الجرائم الإلكترونية واسعة الانتشار في الوقت الحالي، نتيجة للتطور السريع في التكنولوجيا والاعتماد عليها في كثير من جوانب الحياة الشخصية والعملية.

وترتكب الجرائم الإلكترونية من قبل الأشخاص وليس الدول على خلاف الهجوم الإلكتروني الذي يشن على أنظمة الدول لغرض سياسي أما الجرائم الإلكترونية من الممكن أن تحدث بين الأفراد مثل السرقة والتدليس والاحتيال وانتحال الشخصية والقرصنة في مجال الملكية الفكرية.

وسوف نتناول في هذا المقال الموضوعات الآتية:

أولاً: تعريف جريمة الاحتيال الإلكتروني:

ثانياً: ما هي أركان جريمة الاحتيال الإلكتروني:

ثالثاً: إشكالية الحيازة في الاحتيال الإلكترونية:

رابعاً: موقف التشريع الأردني من الاحتيال الإلكتروني:

خامساً: موقف القضاء الأردني:

الخاتمة:

أولاً: تعريف جريمة الاحتيال الإلكتروني:

لم يعرف قانون الجرائم الإلكترونية الذي أصدرته المملكة الأردنية الهاشمية عام 2015 جريمة الاحتيال الالكتروني، ولكن عرفته الاتفاقية العربية لمكافحة جرائم تقنية المعلومات والتي وقعت عليها الأردن عام 2010 وتم التصديق عليها بتاريخ 08/01/2013. والتي عرفت الاحتيال الالكتروني في مادتها الحادية عشرة، أن الاحتيال هو:

“التسبب بإلحاق الضرر بالمستفيدين والمستخدمين عن قصد وبدون وجه حق بنية الاحتيال لتحقيق المصالح والمنافع بطريقة غير مشروعة، للفاعل أو للغير، عن طريق:

  • إدخال أو تعديل أو محو أو حجب للمعلومات والبيانات.
  • التدخل في وظيفة أنظمة التشغيل وأنظمة الاتصالات أو محاولة تعطيلها أو تغييرها.
  • تعطيل الأجهزة والبرامج والمواقع الإلكترونية.”

ويمكن أيضاً الاسترشاد بما جاء في مؤتمر الأمم المتحدة العاشر لمنع الجريمة ومعاملة المجرمين، فعرفت الجريمة الإلكترونية بمعناها الضيق (الجريمة الحاسوبية) وتغطي أي سلوك غير قانوني موجه عن طريق العمليات الإلكترونية التي تستهدف أمن أنظمة الكمبيوتر والبيانات، وتشمل الجرائم الحاسوبية بمعناها الواسع (الجرائم المتصلة بالحاسوب) أي سلوك غير قانوني يُرتكب بواسطة نظام حاسوبي أو شبكة الإنترنت أو ما يتصل بها، بما في ذلك جرائم مثل الحيازة غير المشروعة وعرض أو توزيع المعلومات بواسطة نظام الحاسوب أو شبكة الانترنت، ومن هنا نرى أن الاحتيال الإلكتروني يقع ضمن التعريف الواسع للجرائم الإلكترونية.

ويوجد الكثير من أساليب الاحتيال الالكتروني لسرقة المعلومات الشخصية أو الأموال عن طريق:

  • سرقة البريد الالكتروني.
  • اختراق مواقع التواصل الاجتماعي.
  • قطع الخدمات المتحصل عليها من بعض الشركات.
  • تخريب البيانات.
  • الابتزاز الإلكتروني.

وعليه يجب التعامل مع البيانات والمعلومات الشخصية بحرص شديد، والتأكد من مصداقية الشركات الجاري التعامل معها، والحرص على سرية بيانات بطاقات الائتمان.

ثانياً: ما هي أركان جريمة الاحتيال الإلكتروني:

النظرية العامة للجريمة تحتم وجود ركنين أساسيين لتجريم فعل معين ألا وهما: الركن المادي والركن المعنوي[1]، ويقوم الركن المادي على عناصر ثلاثة: الفعل أي السلوك الإجرامي والنتيجة وعلاقة السببية بينهما.

1.    الركن المادي:

وقياساً على تعريف الاتفاقية العربية لمكافحة جرائم تقنية المعلومات فإن العناصر الثلاث للركن المادي تتمثل في:

  • السلوك الإجرامي، المتمثل في فعل الاحتيال الإلكتروني وله أوجه عديدة يصعب حصرها. الفعل الضار الإلكتروني كما نص عليه التعريف أيضاً مثل “إدخال أو تعديل أو محو أو حجب للمعلومات والبيانات – التدخل في وظيفة أنظمة التشغيل وأنظمة الاتصالات أو محاولة تعطيلها أو تغييرها – تعطيل الأجهزة والبرامج والمواقع الإلكترونية.”
  • الشبكة المعلوماتية، تعد أحد عناصر الركن المادي كما جاء في نص المادة 15 من قانون الجرائم الإلكترونية الاردني “كل من ارتكب أي جريمة معاقب عليها بموجب أي تشريع نافذ باستخدام الشبكة المعلوماتية…”. وهو العنصر المميز لجريمة الاحتيال الإلكتروني عن جريمة الاحتيال التقليدية المنصوص عليها في قانون العقوبات.
  • النتيجة الاجرامية ” التسبب بإلحاق الضرر بالمستفيدين والمستخدمين”، والتي تتوفر أيضاً عند حصول المجرم على منفعة بدون وجه حق.
  • علاقة السببية، وهي الرابط بين سلوك المجرم، المتمثل باستعماله للطرق الاحتيالية الإلكترونية وبين النتيجة التي ترتبت عن ذلك وهي حصوله على فائدة مادية لنفسه أو لغيره.

2.    الركن المعنوي:

تعد جريمة الاحتيال من الجرائم العمدية التي تتطلب توافر القصد الجنائي للقيام بالسلوك الإجرامي لتحقيق النتيجة المرجوة وهي حصوله على فأئده لنفسه أو للغير، وعلمه بأن هذا سلوك مُجرم، ويمكن استنتاج الركن المعنوي عن طريق توافر مبدأ الإرادة ومبدأ العلم.

ويقصد بالعلم هو معرفة الجاني بأن تلك الأفعال مجرمة قانوناً وتعد من الطرق الاحتيالية التي تهدف لخداع أو ايهام الطرف الاخر والاستيلاء على ممتلكاته طواعية عن طريق تضليله، وعلم الجاني ان ليس له الحق في التصرف في تلك الممتلكات. اما الإرادة فتتمثل في كل فعل يقوم به الجاني لخداع المجني عليه والاستيلاء على ممتلكاته مع توافر القصد الجنائي للحصول على منفعة دون وجه حق.

ثالثاً: إشكالية الحيازة في الاحتيال الإلكترونية:

عرف القانون المدني الأردني في المادة 1171 الفقرة الأولى ” الحيازة سيطرة فعلية من الشخص بنفسه أو بواسطة غيره على شيء أو حق يجوز التعامل فيه”، وأكثر ما تداوله الأذهان أن الحيازة تقع فقط على الحقوق العينية مثل العقارات وغيرها من أشياء مادية ملموسة، ولكن في حقيقة الأمر يمكن أن تقع الحيازة أيضاً على الحقوق التي يمكن التعامل فيها.

ولقد انتشرت سرقة الأصول غير الملموسة، فإن المزيد من أصول المنظمات ذات القيمة العالية هي ممتلكات غير ملموسة مثل قوائم العملاء، وممارسات الأعمال التجارية المسجلة الملكية، والمواد الخاضعة لحقوق التأليف والنشر، وغير ذلك من الممتلكات الفكرية، ومن أمثلة سرقة الأصول غير الملموسة اختراق سلاسل التجزئة الكبيرة لسرقة سجلات بطاقات ائتمان العملاء وقرصنة البرمجيات أو غيرها من المواد المسجلة الملكية[2].

وهذه الأدلة من السهل التخلص منها بعد إتمام عملية الاحتيال، وعليه فلا تعد الحيازة شرط أساسي لاكتمال عناصر الجريمة، ويكفي أن يكون الفعل الضار الإلكتروني المتعمد، تسبب في ضرر إلكتروني وتربطهما علاقة سببيه، وكما نصت محكمة التمييز بصفتها الجزائية في الحكم رقم 2814 لسنة2018 بتاريخ 13/11/2018 أن المستفاد من نص المادة 291 من قانون أصول المحاكمات الجزائية أن الأمور الواقعية تخضع للسلطة التقديرية لمحكمة الموضوع بالاقتناع بالأدلة إلا إذا كانت وهمية أو متناقضة.

رابعاً: موقف التشريع الأردني من الاحتيال الإلكتروني:

على الرغم أنه لم يتم النص صراحة على جريمة الاحتيال الإلكتروني في قانون الجرائم الإلكترونية الأردني ولكنه أكد على أنه ارتكاب أي جريمة منصوص عليها في التشريعات الأردنية، عن طريق استخدام أي وسيلة إلكترونية يوقع عليه ذات العقوبة المنصوص عليها في ذلك التشريع، كما أنه في التعاون الأمني بين وزارة الداخلية في المملكة الهاشمية الأردنية ووزارة الأمن العام في جمهورية الصين الشعبية، نصت في مادتها الأولى على جريمة الاحتيال الإكتروني كأحد الجرائم المتعاون على منعها ومكافحتها.

وهذا ما جاء في نص المادة 15 من قانون الجرائم الإلكترونية “كل من ارتكب أي جريمة معاقب عليها بموجب أي تشريع نافذ باستخدام الشبكة المعلوماتية أو أي نظام معلومات أو موقع إلكتروني أو اشترك أو تدخل أو حرض على ارتكابها، يعاقب بالعقوبة المنصوص عليها في ذلك التشريع.”

ولقد نص قانون العقوبات الأردني على جريمة الاحتيال في المادة 417الاحتيال:

1- كل من حمل الغير على تسليمه مالا منقولاً أو غير منقول أو إسناداً تتضمن تعهداً أو إبراء فاستولى عليها احتيالاً.

أ- باستعمال طرق احتيالية من شانها إيهام المجني عليه بوجود مشروع كاذب أو حادث أو أمر لا حقيقة له أو إحداث الأمل عند المجني عليه بحصول ربح وهمي أو بتسديد المبلغ الذي أُخذ بطريق الاحتيال أو الإيهام بوجود سند دين غير صحيح أو سند مخالصة مزور.

ب- بالتصرف في مال منقول أو غير منقول وهو يعلم أنه ليس له صفة للتصرف به.

ج- باتخاذ اسم كاذب أو صفة غير صحيحة.

عوقب بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات وبالغرامة من مائتي دينار إلى خمسمائة دينار.

2-أ- يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنتين إذا ارتكب الفعل بحجة تأمين وظيفة أو عمل في إدارة عامة.
ب- يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ثلاث سنوات إذا كان مرتكب الجريمة ممن يتولون إصدار الأسهم أو السندات أو أي أوراق مالية أخرى متعلقة بشركة أو مشروع أو مؤسسة تجارية أو صناعية.”

خامساً: موقف القضاء الأردني:

يتبين جلياً موقف القضاء الأردني في تجريم الاحتيال الإلكتروني في حكم محكمة بداية عمان بصفتها الاستئنافية رقم 575 لسنة 2021 بتاريخ 29/4/2021 تأييداً للقرار المستأنف ضده حيث تم إدانة المشتكى ضده بجريمة الاحتيال الإلكتروني عن طريق دخوله على نظام المعلومات “بقصد” نسخ بيانات البطاقة الائتمانية وهذا ما جرمته المادة 6 من قانون الجرائم الإلكترونية بالإضافة إلى جريمة الاحتيال المنصوص عليها في المادة 417 من قانون العقوبات. وتم الحكم عليه بالحبس سنتين والرسوم والغرامة 200 ألف دينار.

موقف القضاء الأردني بين الإدانة والبراءة فنجد مثلا في حكم محكمة بداية الرصيفة بصفتها الاستئنافية الجزائية رقم 374 لسنة 2021 بتاريخ 31/5/2021 أن محكمة الاستئناف حكمت بفسخ الحكم المستأنف ضده وبراءة المشتكي ضدهما لانتفاء الأدلة، وليس إعلان عدم مسئولية المشتكي ضدهما.

الخاتمة:

يتسبب الاحتيال الإلكتروني في خسائر فادحة اقتصادية عالمية، وتعد أشهر وسائله عن طريق المتاجر الإلكترونية أو الايهام بالثراء السريع، ولهذا يقع على عاتق الدول مسئولية التوعية الإلكترونية وكيفية حماية البيانات الشخصية وليس فقط وضع التشريعات والنصوص القانونية، حيث أن طبيعة تلك الجرائم تتسبب في خسائر فادحة سواء للدولة أو القطاع الخاص أو الأفراد، وتعد الدول الأقل نمواً أعلى في معدل الجرائم الإلكترونية مثل قرصنة حسابات البريد الالكتروني، الاستجابة لمحاولات الاحتيال الإلكتروني، سرقة الهوية، والاحتيال على بطاقات الاتمان عبر الانترنت[3].

ويحث الانتربول على ضرورة اتخاذ إجراءات سريعة لتعطيل عملية نقل الأموال عن طريق الاحتيال الإلكتروني، وقال السيد خوسيه دي غراسيا، المدير المساعد لشعبة مكافحة الشبكات الإجرامية في الإنتربول: ’’إن جوهر المسألة هو ألا يشعر الضحايا أو أفراد الشرطة بأنهم عاجزون في مواجهة عمليات احتيال مالية على الإنترنت’’، فهناك منظومات قائمة وأشخاص يمكنهم تقديم المساعدة في اعتراض المعاملات الاحتيالية، ويتمثل الإجراء الرئيسي في الاتصال بمصرفكم وبالشرطة، والأهم من هذا وذاك التصرف بسرعة، وعندما يتعلق الأمر بمكافحة الاحتيال على الإنترنت، على اختلاف أنواعه، فلا مجال لإضاعة الوقت‘‘.

إعداد/ نورهان صباح.

مراجعة وتدقيق/ المحامي سامي العوض.

[1] انظر: أركان الفعل الضار الالكتروني في القانون الأردني، نائل علي المساعدة، قسم القانون، كليـة الدراسات الفقهية والقانونية، جامعـة آل البيت، المفرق، الأردن.

[2] An Introduction to Cyber Fraud, APPENDIX C- page6, Anti-Fraud Risk and Control Workbook By Peter Goldmann 2009. وانظر  مقال للمحامي سامي العوض محامي جرائم  إنترنت، منشور على موقع حماة الحق – محامي الأردن – .

[3] صفحة 40 -43، مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، دراسة شاملة عن الجريمة السيبرانية، مسودة ـــ شباط/فبراير 3.

Scroll to Top