إلزامية توكيل محامي في القضايا الجنائية

إلزامية توكيل محامي في القضايا الجنائية

إن السماح للخصوم بتوكيل محامين لترافع عنهم أمام المحاكم هو أمر يعد من ضمانات حقوق الدفاع أمام المحاكم، فالمحامون هم أعوان القضاء الذين اتخذوا مهنة لهم تقديم المساعدة القضائية والقانونية لمن يطلبها لقاء أجر، فالمحامي هو أقدر دائما من الأشخاص العاديين في الدفاع عن الحقوق ، لأن علمه مبني على دراسة وتدريب وخبرة عملية أمام القضاء، كما أن فن المرافعة لا يتقنه إلا المحامي وتحديداً أصحاب الحنكة والخبرة في مجال المرافعات، حيث تبرز أهمية وفن المرافعات في القضايا الجزائية لأن القضايا الجزائية تعتمد على قناعة القاضي الشخصية في الأدلة المقدمة في الدعوى، فهل توكيل محامي للترافع أمام المحاكم الجزائية هو أمر إلزامي أما حرية شخصية تعود للجاني؟ سنتحدث في هذا المقال عن مدى إلزامية توكيل محامي في القضايا الجزائية. سنداً لقانون أصول المحاكمات الجزائية الأردني لسنة 1961 وتعديلاته.

جدول المحتويات

السند القانوني لتوكيل محامي في القضايا الجزائية

حق الاستعانة بمحامي

توكيل المحامي في سبيل الدفاع عن موكله

إلزامية توكيل محامي في القضايا الجنائية

صندوق المساعدة القانونية أمام المحاكم

السند القانوني لتوكيل محامي في القضايا الجزائية

نصت المادة 208 من قانون أصول المحاكمات الجزائية على إلزامية  توكيل محامي دفاع في القضايا الجزائية وخصوصاً الجنايات، فقد جاء بالفقرة الأولى من هذه المادة أن  في الجنايات التي يعاقب عليها بالإعدام أو الأشغال المؤبدة أو الاعتقال المؤبد أو الأشغال المؤقتة مدة عشر سنوات فأكثر يتعين حضور محام للمتهم في كل جلسة محاكمة ……………..، ويستفاد من النص القانوني أن المشرع الأردني ألزم الجاني بتوكيل محامي في القضايا الجنائية دون غيرها، فتوكيل محامي في القضايا الجنحية والمخالفات هو أمر غير إلزامي ومتروك لحرية الجاني، ففي نص هذه المادة إلزامية توكيل محامي جاءت في الجنايات فقط كما نص المشرع، كما أن المشرع وضع الأحكام التي تنظم إلزامية توكيل محامي في القضايا الجنائية والتي سنتعرف عليها في هذا المقال.

مدى إلزامية توكيل محامي في القضايا الجزائية

عليه بالرجوع إلى نص المادة 208 نجد أن إلزامية توكيل محامي في القضايا الجزائية تكون في القضايا الجنائية التي تكون عقوبتها الإعدام أو الأشغال المؤبدة أو الاعتقال المؤبد أو الأشغال المؤقتة مدة لا تقل عن عشر سنوات، أما في القضايا الجزائية من نوع جنحة أو مخالفة فليس هناك إلزامية بتوكيل محامي وإنما حق بالاستعانة بمحامي.

حق الاستعانة بمحامي

إن حق الاستعانة بمحامي من ضمانات التقاضي خصوصاً في مرحلة التحقيق الابتدائي، فالمحامي يساعد المتهم في دفع الجريمة عنه، وحق الاستعانة بمحامي في مرحلة التحقيق الابتدائي لا يكون إلا بواسطة محامي واحد فقط، سنداً لنص المادة 65 من قانون أصول المحاكمات الجزائية،  وفي هذه المرحلة يحق للمحامي الكلام ولكن بإذن المحقق، فإذا لم يأذن له يتم تسجيل ذلك في المحضر، ويستطيع المحامي أن يقدم مذكرة بملاحظاته حول إجراءات التحقيق، ولكن لا يحق للمدعي العام أن يمنع اتصال المحامي مع المشتكى عليه الموقوف، فيمكن للمحامي أن يتصل فيه في كل وقت وبمعزل عن كل رقيب، سندا لنص المادة 66 من قانون أصول المحاكمات الجزائية.

فحق الظنين في دعاوى الجنحة عموماً سواءً جنح صلحيه أو بدائية أن ينيب عنه وكيلاً باستثناء جلسة تلاوة التهمة على المشتكى عليه وسؤاله عنها والجلسة المخصصة لإعطاء إفادته الدفاعية، ما لم تقرر المحكمة أن حضوره بالذات ضروري لتحقيق العدالة، سنداً لنص المادة 168 من قانون أصول المحاكمات الجزائية الأردني [1].

توكيل المحامي في سبيل الدفاع عن موكله

يبذل المحامي جهد قانوني وقضائي في سبيل الدفاع عن موكله، فيقوم بدراسة ملف الدعوى ويقدم الطلبات والدفوع، ويطلب تدوينها في المحضر التحقيق، ويطلب سماع الشهود دون مناقشتهم مع حقه بتقديم ملاحظاته أثناء الجلسة، وندب الخبراء لإجراء المعاينة [2]، كما يبذل محامي جهده في الدعوى عند إحالتها إلى المحكمة فيستمع إلى الشهود ويناقشهم، فقد جاء بنص المادة 175 من قانون أصول المحاكمات الجزائية ما يلي:

2_ …………… يجوز للظنين أو وكيله أيضا توجيه أسئلة بحدود المسائل التي أثارتها النيابة العامة وللمدعي بالحق الشخصي مناقشة أي شاهد بشأن هذا الادعاء.

5_ إذا لم يوكل للظنين محام فللمحكمة عند استجواب كل شاهد أن تسال الظنين إذا كان يرغب في توجيه أسئلة للشاهد وتدون في المحضر أجوبة الشاهد عليه

ويقدم المحامي الأدلة التي تثبت براءة موكله، كما يسعى لإقناع القاضي بالأدلة التي تؤيد براءة موكله من خلال تقديمه مرافعة دفاعية ذات مستوي ثقافي عالي.

إلزامية توكيل محامي في القضايا الجنائية

نصت المادة 208 من قانون أصول المحاكمات الجزائية على الأحكام التي تنظم إلزامية توكيل محامي في القضايا الجنائية، وسنتعرف على هذه الأحكام استنادا لنص المادة السابقة.

 فما هو المقصود بالقضايا الجنائية؟

إن القضائية الجنائية هي أكثر القضايا خطورة على المجني عليه وعلى المجتمع، وقد شدد المشرع الأردني في عقوبات القضايا الجنائية، حيث أن عقوبة القضايا الجنائية تكون إما الإعدام أو الأشغال المؤبدة أو الاعتقال المؤبد أو الأشغال المؤقتة مدة لا تقل عن عشر سنوات.

حضور المحامي في الجنايات السابقة

إلزامي، سنداً للفقرة الأولى من نص المادة 208 حيث جاء فيها: ….. يتعين حضور محام للمتهم، ولكن السؤال الذي يثور على حضور المحامي إلزامي في كل الجلسات أم في جلسات محددة؟، بالرجوع إلى الفقرة الأولى من نص المادة سابقة الذكر نجد أن المشرع نص على إلزامية تعين محامي للمتهم في كل جلسات المحاكمة، حيث جاء بنص الفقرة الأولى من المادة السابقة أنه يتعين حضور محام للمتهم في كل جلسة محاكمة.

عدم قدرة المتهم على توكيل محامي

عالج المشرع الأردني في المادة السابقة مشكلة عدم القدرة المالية للمتهم على تعين محامي للدفاع عنه، ففي هذه الحالة يجب على المتهم أخبار المحكمة بذلك، وحتى وأن كان قد وكل محامي إلا أن علاقته به قد انقطعت أي لم يعد المحامي وكيلاً عن المتهم يجب على المتهم إخبار المحكمة بذلك، حيث يقوم رئيس المحكمة بتعيين محامي له.

هل يتقاضى المحامي الذي تعينه المحكمة أتعاب؟

نعم يتقاضى المحامي الذي عُين من قبل رئيس المحكمة للدفاع عن المتهم أتعابه وفقاً لنظام يصدر لهذه الغاية.

غياب محامي الدفاع عن جلسة أو جلسات المحاكمة

في حال عدم حضور محامي المتهم سواءً كان هذا المحامي هو من وكله المتهم أو عينه المدعي العام أو رئيس المحكمة دون عذر مقبول، تقوم المحكمة بتعين محامي آخر لمتابعة إجراءات المحاكمة ويتقاضى هذا المحامي أتعابه وفقاً لنظام يصدر لهذه الغاية، سنداً لنص المادة 208 الفقرة الثانية منها.

الجنايات المعاقب عليها بعقوبة مؤقتة أقل من عشر سنوات

إذا كانت الجناية المرتكبة عقوبتها الأشغال المؤقتة مدة تقل عن عشر سنوات فهنا المحكمة تساعد المتهم في توكيل محامي له عن طريق تقديم طلب المتهم بتعين محامي له إلى وزير العدل الذي بدوره ينسق مع نقابة المحامين قسم المساعدة القانونية، حيث تقدم النقابة خدمة المساعدة القانونية للمتهمين غير القادرين على توكيل محامي، كما أنه يجوز للجهات الرسمية المختصة أو أي من المؤسسات المعنية أو أي مواطن أو مقيم في المملكة غير قادر على تعيين محام تقديم طلب إلى وزير العدل لتوفير المساعدة القانونية له وفق أحكام التشريعات النافذة وبالتنسيق مع نقابة المحامين، سنداً للفقرة الرابعة من نص المادة 208 من قانون أصول المحاكمات الجزائية.

صندوق المساعدة القانونية أمام المحاكم

إن صندوق المساعدة القانونية هو صندوق موجود في وزارة العدل، تشرف عليه وزارة العدل، ومن هذا الصندوق تدفع أجور المتهمين الملزمين بتوكيل محامي وأحوالهم المادية صعبة، فيقوم رئيس المحكمة بتعين محامي لهذا المتهم ويتقاضى أتعابه من هذا الصندوق.

الموارد المالية لصندوق المساعدة القانونية

أ. المخصصات المرصودة للمساعدة القانونية ضمن الموازنة السنوية لوزارة العدل.
ب‌. نسبة مئوية من الرسوم المستوفاة على الدعاوى والطلبات والإجراءات القضائية والتنفيذية بموجب نظام رسوم المحاكم أو أي تشريع أخر.
ج. أي مساهمة تقدمها نقابة المحامين.
د. المنح والإعانات والتبرعات وبشرط موافقة مجلس الوزراء عليها إذا كان مصدرها خارجيا.

سنداً للفقرة 6 من نص المادة 208 في قانون أصول المحاكمات الجزائية

أحكام إدارة صندوق المساعدة القانونية

يتم تنظيم أدارة صندوق المساعدة القانونية وفقاً لنظام يصدر لهذه الغاية ينظم أسس ومعاير استحقاق المساعدة القانونية، وينظم شروط صرفها، وسائر الأمور التنظيمية الأخرى المتعلقة بها بما في ذلك نسبة الاقتطاع من الرسوم القضائية وتحديد الأجور المستحقة لمن يكلف بتقديمها، وكيفية الإشراف على صندوق المساعدة القانونية، سنداً للفقرة 7 من نص المادة 208 في قانون أصول المحاكمات الجزائية.

من اجتهادات المحاكم الأردنية فيما يتعلق بإلزامية توكيل محامي في القضايا الجزائية

الحكم رقم 20505 لسنة 2019 – استئناف عمان: إلزامية توكيل محامي في الجنايات هو أمر متعلق بالنظام العام يجب على المحكمة إثارته من تلقاء نفسها.

قبل الرد على أسباب الاستئناف نجد أن جناية السرقة المسندة للمستأنف وعلى فرض الثبوت خلافاً لأحكام المادة 401/2 عقوبات وان عقوبة هذه الجناية هي الإشغال المؤقتة مدة لا تقل عن عشر سنوات وان المادة 208 من قانون أصول المحاكمات الجزائية قد نصت على إلزامية توكيل محام والحصول على المساعدة القانونية في الجنايات المعاقب عليها بالإعدام أو الإشغال المؤبدة أو الاعتقال المؤبد أو الإشغال المؤقتة مدة عشر سنوات وأكثر وان المحكمة ملزمة بتعيين محامي للمتهم أذا كانت ظروفه المادية لا تسمح له بتوكيل محام وان هذه النصوص تتعلق بالنظام العام وتثيرها المحكمة من تلقاء نفسها وحيث أن محكمة الدرجة الأولى سارت بالدعوى دون توكيل محامي للمتهم فإنها تكون بذلك قد خالفت القانون وإن قرارها مستوجباً للفسخ.

وعليه ودون الحاجة للبحث في أسباب الاستئناف نقرر وعملاً بالمادة 269 من قانون أصول المحاكمات الجزائية فسخ الحكم المستأنف وإعادة الأوراق لمحكمة الدرجة الأولى للسير بالدعوى على ضوء ما أوضحناه وإجراء المقتضى القانوني وإعادة الأوراق لمصدرها والإفراج فوراً عن المستأنف ما لم يكن محكوماً أو موقوفاً لداعِ آخر.

إعداد المحامية: ليلى خالد.

[1] د. عبد الرحمن توفيق أحمد، شرح الإجراءات الجزائية، دار الثقافة للنشر والتوزيع، الطبعة الثانية، نقلا عن مقال محامي أردني معروف ). عمان، 2021، ص 333. وكذلك موقع محامي أردني.

[2] د. محمد سعيد نمور، أصول الإجراءات الجزائية، دار الثقافة للنشر والتوزيع، الطبعة السادسة، عمان، 2021، ص 374.