جرائم السرعة في قانون السير 

جرائم السرعة في قانون السير 

تُعتبر حوادث المرور من أخطر الظواهر المعاصرة انتشاراَ، وهي أحد أبرز الكوارث التي تهدد حياة المجتمع وأمنه واقتصاده، فهذه الحوادث أحد الأسباب الأساسية لاستنزاف الموارد البشرية والمادية للمجتمع، حيث صنفت منظمة الصحة العالمية هذه الحوادث بأنها أحد أهم الأوبئة الفتاكة في العقود الأخيرة، حيث تكلف حوادث المرور حوالي 3% من الناتج المحلى للدول، هذا وقد أكدت الدراسات العلمية والاقتصادية العلاقة الوطيدة بين النمو الاقتصادي للمجتمع وبين كفاءة شبكات الطرق فيها، وهو ما دفع غالبية الدول المتقدمة لاتخاذ إجراءات حاسمة ورادعة لخفض الحوادث المرورية وما قد ينتج عنها كوارث تهدد حياة البشر، وهو على عكس ما يحدث داخل الدول النامية والتي تنتشر فيها هذه الحوادث بصفه يومية، وهو الأمر الذي يؤثر بشكل قوي على عجلة التنمية، وهو ما يتطلب تدخلاَ سريعاَ من هذه الدول للحد من هذا الأمر كونه يتعلق بأمن وأمان المجتمع.[1]

وانطلاقاَ من هذا الأمر فقد بدأت هذه الدول بالسعي نحو وضع إجراءات حاسمة ورادعة، وسن قوانين وتشريعات تحكم وتنظم هذه المسألة، مع العمل على رفع كفاءة شبكات الطرق في محاولة منها للحد من هذه الحوادث، وهو ما دفع المشرع الأردني لإصدار قانون السير الأردني رقم (49) لسنة 2008 وتعديلاته، لينظم هذه المسألة بشكل قانوني، وهو ما سوف نحاول توضيحه من خلال التعرف على جرائم السرعة وأركانها، ومدي مسئولية الجاني عن الجريمة، ثم بعض التطبيقات القضائية، وذلك على النحو التالي:

أولا: التعريف بالحادث المروري وأسبابه:

ثانيا: صور جرائم السرعة وأركانها وسبل الحد من تلك الجرائم:

ثالثا: المسئولية القانونية المترتبة على جريمة السرعة:

رابعا: بعض اجتهادات محكمة التمييز بشأن جرائم السرعة:

 

أولا: التعريف بالحادث المروري وأسبابه:

1ـ التعريف بالحادث المروري:

في البداية يمكن القول إن الحادث المروري هو كل واقعة ينجم عنها وفاة أو أضرار جسمانية أو خسائر في الممتلكات بدون قصد سابق، وبسبب المركبات أو حمولتها أو أثناء حركتها، أو هي جميع الحوادث التي تنتج عنها إزهاق للأرواح أو إصابات في الأجسام أو خسائر في الأموال، أو جميع ذلك من جراء استخدام المركبة.[2]

هذا وقد نصت (المادة الثانية) من قانون السير الأردني على تعريف الحادث المروري بأنه: ” كل واقعة تسببت فيها على الأقل مركبة واحدة متحركـة في إلحاق أضرار بشرية أو مادية أو كليهما”

كما أن المشرع الأردني اهتم بهذه الجرائم التي تمثل خطر على حياة الإنسان، وذلك بفرض عقوبات رادعة على كل قائد مركبة تسبب في وفاة إنسان أو إحداث عاهة مستديمة وذلك بمعاقبته بالحبس مدة من ثلاثة أشهر إلى ثلاث سنوات أو بغرامة من ألف دينار إلى ألفي دينار أو بكلتا العقوبتين ووقف العمل برخصة القيادة مدة لا تقل عن ستة أشهر ولا تزيد على سنتين.

كما أن المشرع وضع عقوبات على مجرد تجاوز السرعة المقررة دون إحداث إصابات، وذلك وفقا لما جاء بالمادة (30) من ذات القانون والتي نصت على:

أ ـ يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن أسبوعين ولا تزيد على ثلاثة أشهر أو بغرامة مقدارها (100) مائة دينار أو بكلتا هاتين العقوبتين من قام بقيادة المركبة بسرعة تزيد على الحد المقرر بأكثر من (50) كم/ ساعة.

ب ـ يعاقب بغرامة مقدارها (30) ثلاثون ديناراَ من قام بقيادة المركبة بسرعة تزيد على الحد المقرر بأكثر من (30) كم / ساعة ولغاية (50) كم/ ساعة.

ج ـ يعاقب بغرامة مقدارها (20) عشرون ديناراَ من قام بقيادة المركبة بسرعة تزيد على الحد المقرر بأكثر من (10) كم / ساعة ولغاية (30) كم / ساعة”.

2 ـ أسباب الحادث المروري:

في البداية نود أن نشير إلى أنه ووفق تقرير منظمة الصحة العالمية فإن هناك علاقة مباشرة بين الزيادة في سرعة المركبة ووقوع الحادث، كما أن كل زيادة في سرعة المركبة قدرها 1كم / ساعة تؤدي لزيادة وقوع الحادث بنسبة 3% للإصابات، وبنسبة تتراوح ما بين 4 ـ 5% للوفيات.

ولما كان هناك العديد من الأسباب التي قد تؤدي لوقوع الحوادث المرورية فكان لزاماَ علينا التعرض لها على النحو التالي:

أ ـ زيادة السرعة:

حيث إن أغلب الحوادث المرورية تكون بسبب رعونة العديد من السائقين وقيامهم بقيادة السيارة بالمخالفة لقواعد السير المقررة، وتجاوزهم الحد الأقصى المقرر للسرعة، مما يعرض حياتهم وحياة الأخرين للخطر.

ب ـ عدم اتباع تعليمات الطريق:

كثير من قادة المركبات لا تعر بالاَ بالتعليمات المقررة على الطريق كالالتزام بمسافة أمان بينه وبين السيارة الأخرى، وعدم احترام إشارات المرور، وعدم استعمال حزام الأمان، والسير عكس الاتجاه، والتجاوز الخاطئ، والدوران، وغيرها من التعليمات التي نص عليها قانون السير، كما أن هناك تعليمات تخص المشاة وأن عدم اتباعهم لهذه التعليمات قد تعرضهم وتعرض الأخرين للخطر، وهو ما أكدت عليه المادة (926) من مجلة الأحكام العدلية حيث نص على: ” لكل أحد حق المرور في الطريق العام لكن بشرط السلامة يعني: أنه مقيد بشرط أن لا يضر غيره بالحالات التي يتمكن التحرز منها فلو سقط عن ظهر الحمال حمل أتلف مال أحد يكون الحمال ضامناَ، وكذا إذا أحرقت شرارة ثياب أحد كان ماراَ في الطريق وكانت الشرارة التي طارت من دكان الحداد حين ضربه الحديد يضمن الحداد ثياب المار”.

جـ ـ عدم صلاحية الطريق وضعف كفاءته:

هناك حوادث مرورية عديدة يكون السبب الرئيسي فيها هو الطريق وعدم كفاءته وسوء حالته الفنية، كوجود منحنيات ومتعرجات خطيرة في الطريق، وانتشار الحفر والمطبات بصورة عشوائية في العديد من الطرق، وهو ما يعرض حياة الأشخاص للخطر الدائم.

د ـ الطقس والطبيعة:

كما أن هناك حوادث مرورية تقع بدون خطأ من المركبات، أو قائدها، أو المشاة، أو بسبب عدم كفاءة الطرق، وإنما تقع من الطبيعة كتلك التي تقع بسبب تقلبات الجو ونزول الأمطار الغزيرة والثلوج والرياح، والزوابع الرملية، والضباب.

ثانيا: صور جرائم السرعة وأركانها وسبل الحد من تلك الجرائم:

1ـ صور جرائم السرعة:

هناك صور عديدة لجرائم السرعة، ومن الممكن تصنيف هذه الجرائم إلى جرائم تقع بمجرد ارتكاب الفعل المجرم دون المساس بحياة الإنسان أو بالمصالح المحمية، ومن هذه الجرائم القيادة بدون ترخيص وبرعونة وتهور حتى ولو كان قائد المركبة قائد محترف إلا أن الجريمة تتمثل في مخالفته القواعد والقوانين المعمول بها في قانون السير بضرورة الحصول على رخصة قيادة، وكذلك القيادة بسرعة تزيد على الحد الأقصى المقرر دون إحداث أضرار بأحد الأشخاص أو الممتلكات العامة أو الخاصة. وهو ما أكدت عليه المادة (15/أ/ب) من قانون السير الأردني بالنص علي: ” يحظر على أي شخص قيادة أي مركبة ما لم يكن حائزا على رخصة قيادة سارية المفعول تخوله حق قيادتها وعلى سائق المركبة أن يحمل هذه الرخصة أثناء القيادة. ولا يجوز لمالك المركبة أو حائزها أن يسمح بقيادتها لمن لا يحمل رخصة قيادة وفقا لأحكام هذا القانون والأنظمة الصادرة بمقتضاه “.

كما أن القانون أوجب عقاب من يقود سيارة بدون حصوله على رخصة قيادة بالحبس مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر ولا تزيد عن ستة أشهر أو بغرامة خمسمائة دينار ولا تزيد على ألف دينار أو بكلتا العقوبتين معاَ، وكذلك المعاقبة بالحبس مدة لا تقل عن أسبوع ولا تزيد على شهر أو بغرامة مائة دينار ولا تزيد على مائتي دينار أو بكلتا العقوبتين لكل من قاد السيارة بصورة متهورة أو استعراضية على الطريق، وهناك العديد من هذه الصور من الجرائم الواردة في قانون السير الأردني، حتى لو لم تتسبب تلك الجرائم في إلحاق أضرار بأحد.

كما أن هناك جرائم أخرى لا تقع إلا بإلحاق ضرر بالأخرين كإصابة شخص أو التسبب في وفاته أو تحطيم أحد الممتلكات الخاصة بالأشخاص أو الممتلكات العامة، وهو ما أكدت عليه المادة (27) من قانون السير الأردني بالنص على: ” على الرغم مما ورد في المادة (343) من قانون العقوبات، إذا تسبب السائق بوفاة إنسان أو إحداث عاهة دائمة له يعاقب بالحبس من ثلاثة أشهر إلى ثلاث سنوات أو بغرامة من (1000) ألف دينار إلى (2000) ألفي دينار أو بكلتا هاتين العقوبتين وعلى المحكمة وقف العمل برخصة القيادة مدة لا تقل عن ستة أشهر ولا تزيد على سنتين “.

2ـ أركان جرائم السرعة:

يمكن القول بأن أركان جريمة السرعة ليست كغيرها من الأركان الأساسية في الجرائم الأخرى، حيث إن جريمة السرعة وفق قانون السير الأردني تقع بمجرد توافر الركن المادي لها وهو تجاوز السرعة المقررة على الحد الأقصى، حتى ولو بدون قصد (الركن المعنوي)، وحتى ولو لم يترتب على هذه الجريمة إلحاق ضرر بالأخرين، حيث إنه وبمجرد ارتكاب الفعل المجرم يكون قائد المركبة قد ارتكب الجريمة المعاقب عليها قانوناَ، وفق قانون السير الأردني.

إلا أن هناك بعض الجرائم التي تترتب على هذه الجريمة كوفاة إنسان أو إصابته بعاهة مستديمة، وهنا يجب أن تتوافر الأركان الأساسية للجرائم والتي تتمثل في:

أ ـ الركن المادي:

ويتمثل الركن المادي للجريمة في المظهر الخارجي لها والتي تخرج به إلى حيز الوجود، وهو عبارة عن السلوك الإجرامي، وهو في هذه الجريمة قيادة المركبة بتهور ورعونة متجاوزاَ السرعة المقررة على الحد الأقصى المسموح به قانوناَ.

ب ـ الركن المعنوي:

وهو ما يعني توافر القصد الجنائي العام للجريمة عن علم وإرادة واعية غير مشوبة بعيوب الإرادة، فيجب أن يكون مرتكب الجريمة علي علم بطبيعة الفعل ونتيجته الإجرامية، وأن تتجه إرادته لتحقيق هذه الجريمة، وهذا ما يتحقق – بلا شك – في الجريمة الماثلة وهي قيادة المركبة بتهور وبسرعة فغني عن البيان أن قائد المركبة يعلم أضرار وعواقب ذلك في أن هذا الفعل يعرض حياته وحياة الأخرين للخطر.

جـ ـ علاقة السببية:

إذا توافر الركنين السابقين للجريمة من خطأ من قبل قائد المركبة بالقيادة بسرعة وبتهور ورعونة، وتحقق ضرر للأخرين بإصابتهم سواء بالوفاة أو بتحقيق عاهة مستديمة، فإن الجريمة تكون مكتملة الأركان مستوجبة العقاب وفقا لقانون العقوبات الأردني، وقانون السير الأردني.

3ـ سبل الحد من جرائم السرعة:

من أجل الحد من تلك الظاهرة التي انتشرت بشكل كبير وتسببت في العديد من الكوارث، فإن الأمر يتطلب عملاَ وجهداَ كبير من كافة الجهات المعنية، كما أن هناك العديد من المقترحات للحد من تلك الجرائم وهي كالتالي:

أ ـ التنبيه على قائد المركبة بعدم تجاوز الحد الأقصى للسرعة المقررة، وضرورة الالتزام بها وعدم تجاوزها حفاظا على حياته وحياة الأخرين، والتأكيد على ذلك في جميع الأماكن بشكل عام وفي الأماكن التي يكثر فيها المشاة بشكل خاص.

ب ـ توعية قائدي المركبات، بل وجموع المواطنين بآداب وسلوكيات المرور.

ج ـ تطوير ورفع كفاءة شبكات الطرق وعمل صيانة بشكل دوري لها، وكذلك تخصيص أماكن محددة لعبور المشاة.

د ـ فرض عقوبات رادعة لكل من يخالف تعليمات قانون السير ويعرض حياة الأشخاص للخطر.

كما أن هناك دراسة لعمل مخطط تنفيذي لبرامج السلامة على الطريق بتكليف من الأمم المتحدة والتي أوضحت أن برمج السلامة في أي دولة يجب أن يطبق على ثلاث مراحل رئيسية تتمثل في:

  • مرحلة زيادة الوعي وتحديد طبيعة التكوين والتدريب على السياقة.
  • تطوير استراتيجية عامة وخطة تنفيذية قابلة للتطبيق.
  • تنفيذ برنامج السلامة الوطني المرحلي بحيث يكون مدة كل مرحلة خمس سنوات.

ثالثا: المسئولية القانونية المترتبة على جريمة السرعة:

إن الواقع الفعلي والقانوني يحتمل أنه وبعد وقوع الجريمة أن تكون هناك مسئولية على مرتكبها وقد تكون هذه المسئولية جنائية، وقد تكون مدنية، وقد تكون مسئولية مزدوجة أي جنائية ومدنية على السواء، وهو ما سوف نحاول أن نلقي عليه الضوء على النحو التالي:

1 ـ المسئولية الجنائية المترتبة على جريمة السرعة:

لما كان قانون السير الأردني قد جاء لينظم ويضع القواعد واللوائح المنظمة للمرور والسير على الطريق، وأن قيام أي شخص بمخالفة هذا القانون، سواء كانت المخالفة عن قصد أو بدون قصد فإن مرتكبها يسأل جنائياَ سواء ترتب على فعله ضرر للغير أو لم يترتب عليه أيه أضرار، فبمجرد قيام قائد المركبة بالقيادة بتهور ورعونه وقيامة بتجاوز السرعة المقررة للحد الأقصى المسموح به يُعد مرتكب لجرم يتحمل عنه المسئولية والعقاب، وهو وفقا لقانون السير الأردني الحبس مدة لا تقل عن أسبوع ولا تزيد على شهر أو بغرامة مائة دينار ولا تزيد على مائتي دينار أو بكلتا العقوبتين، أما حال ترتب على هذا الحادث إصابة أحد الأشخاص بعاهة مستديمة، أو وفاته فإن الحال يختلف حيث يتم معاقبته بالحبس من ثلاثة اشهر إلى ثلاث سنوات أو بغرامة من ألف دينار إلى ألفي دينار أو بكلتا هاتين العقوبتين مع وقف العمل برخصة القيادة مدة لا تقل عن ستة أشهر ولا تزيد على سنتين.

فإذا خالف السائق الالتزامات الواردة بقانون السير الأردني من ترك مسافة أمنه، وقيادته السيارة وفق السرعة المقررة، وترتب على ذلك ضرر لغير فإنه يتعرض للعقوبة الجنائية وفق قانون السير الأردني وقانون العقوبات الأردني.[3]

وعن مدي تحديد المسئولية الجنائية فإنها من المسائل التي تستقل بها محكمة الموضوع دون معقب عليها في ذلك طالما أنها راعت في تقديرها ما جاء من أدلة مقبولة لها أصل ثابت بالأوراق والمستندات المرفقة بالدعوى، كما لا تلتزم المحكمة ببيان الخطأ لفظياَ طالما أن سياق الألفاظ المثبتة بالأوراق يدل على ثبوته.[4]

ومن هذا المنطلق يمكن القول أن وجود خطأ من جانب السائق بقيامة بتجاوز السرعة المقررة أو غيرها من المخالفات المقررة بقانون السير وترتب على هذه السرعة دهس إنسان ترتب عليه عاهة مستديمة أو وفاة فإن هذا القائد يسأل جنائياَ سواء كان الدهس ناتج لخطأ منه أو من المصاب شخصياَ، كون السائق لم يراعي القواعد المعمول بها قانوناَ، وقام بقيادة السيارة بسرعة وتهور ورعونة، ولكن الأمر يختلف إذا كان الحادث قد نشأ بسبب قوة قاهرة، فإن قائد المركبة لا يسأل جنائياَ وفق قانون العقوبات الأردني،، ولكن وفي هذه الحالة يسأل قائد المركبة حال تجاوزه السرعة المقررة وفق قانون السير الأردني، وهو ما تضمنه نص المادة رقم (89) من قانون العقوبات الأردني من أنه: ” لا يعاقب الفاعل على فعل ألجأته الضرورة إلى أن يدفع به في الحال عن نفسه أو غيره أو عن ملكه أو ملك غيره، خطراَ جسيماَ محدقاَ لم يتسبب هو فيه قصداَ شرط أن يكون الفعل متناسباَ والخطر”.

2ـ المسئولية المدنية المترتبة على جريمة السرعة:

إن الالتزام بالتعويض هو الأثر المترتب على إلحاق ضرر بالغير وقد يكون هذا التعويض ناتج عن مسئولية عقدية، وقد يكون عن مسئولية تقصيرية، ولا يختلف مضمونه في الحالتين، ويقصد بالتعويض مبلغ من النقود أو أية ترضية أخرى تعادل ما لحق المضرور من ضرر أو خسارة وما فاته من كسب نتيجة للفعل الضار وهو يدور مع الضرر وجوداَ وعدماَ ولا يتأثر بجسامة الخطأ فيه، ولعل الهدف من هذا التعويض هو جبر الضرر الواقع على المضرور بإعادة الحال إلى ما كان عليه قبل وقوع الحادث بشرط أن يكون الفعل الضار الذي وقع على المضرور هو السبب في إلحاق هذه الأضرار.

وحيث أن التعويض عن الضرر يشمل الضرر المباشر كله سواء كان هذا الضرر متوقع أم غير متوقع، وهو ما أكدت عليه المادة رقم (266) من القانون المدني الأردني بالنص على ” يقدر الضمان في جميع الأحوال بقدر ما لحق المضرور من ضرر وما فاته من كسب بشرط أن يكون ذلك نتيجة طبيعية للفعل الضار”، وهو ما يؤكد أن المشرع الأردني قد جعل في تقدير التعويض بما يتناسب مع لحق المضرور من خسارة وما فاته من كسب طالما أن ذلك كان نتيجة طبيعية للفعل الضار.[5]

ومن ثم كي يسأل مرتكب الفعل الضار عن تعويض المضرور يجب أن تتوافر الأركان الرئيسة للمسئولية من خطأ وضرر وعلاقة السببية بينهما، وذلك حتى تكتمل المسئولية المدنية في حقه، فيجب أن يرتكب قائد المركبة خطأ وهو في موضعنا قيامة بقيادة المركبة بتهور ورعونة وبسرعة تزيد عن الحد الأقصى للسرعة المقررة قانوناَ، وأن يترتب على هذا الفعل ضرر للغير سواء بإلحاق عاهة مستديمة به أو وفاته، وهو ما يؤكد أن الضرر الواقع على المجني عليه مرتبط بالفعل الضار المرتكب من قبل قائد المركبة، ومن ثم يكون مستوجب المسئولية.

كما أن الدولة تُسأل عن مسئوليتها التقصيرية حال عدم توفيرها طرق صالحة للاستخدام، أو عدم صيانتها وتركها بحالة متهالكة تعرض الجميع للخطر، ومن ثم فإن الدولة تكون ملزمة بدفع التعويض المناسب للضرر المادي والأدبي الواقع على المصاب أو لورثته إذا كان الشخص متوفي، سواء كان هذا الدفع عن طريق الحكومة أو عن طريق شركات التأمين.

كما نود أن نشير في هذا المقال إلى أن الاختصاص القضائي ينعقد للمحكمة التي وقع الحادث في نطاقها المكاني، ولها السلطة التقديرية في مسألة تقدير التعويض الجابر للضرر الواقع على المضرور، ويكون التعويض عن الضررين المادي والمعنوي أو الأدبي، وذلك وفق ما نصت عليه المادة (267/1) من القانون المدني الأردني بقولها: ” يتناول حق الضمان الضرر الأدبي كذلك. فكل تعد على الغير في حريته أو في عرضه أو في شرفه أو في سمعته أو في مركزه الاجتماعي أو في اعتباره المالي يجعل المعتدي مسؤولا عن الضمان. ……….”.

ـ كما أن المشرع الأردني وحفاظاَ على حق المضرور في التعويض فرض التأمين الإلزامي على جميع  المركبات داخل المملكة أو التي تمر بها، وبناء على ذلك فقد ألزم المشرع الأردني شركات التأمين بتعويض المضرور عن الضرر الواقع من المركبة المؤمن عليها، وفي حال كون الحكم بالتعويض يزيد عن حدود مسئولية الشركة المؤمن لديها فإن قائد المركبة والشركة مسئولان بالتضامن عن دفع التعويض للمضرور، وهو ما نصت عليه المادة رقم (13/أ) من نظام التأمين الإلزامي للمركبات بقولها: ” يعتبر كل من المؤمن له وسائق المركبة المتسببة بالحادث مسؤولين بالتضامن عن أي مبالغ يحكم بها تزيد على حدود مسؤولية شركة التأمين”.

رابعا: بعض اجتهادات محكمة التمييز بشأن جرائم السرعة:

ورد في حكم محكمة التمييز بصفتها الحقوقية رقم 4985 لسنة 2021 ما يلي:

ولما كان الثابت أن المميز قام بنقل البضاعة بواسطة مركبة مملوكة له يقودها المدعى عليه الأول (…..) وأن الضرر الذي لحق بالبضاعة نتيجة سقوط الحاوية عن ظهر الشاحنة وتلف البضاعة كان بسبب عدم أخذ الاحتياطات في تثبيت البضاعة وتغطيتها وأن الخبرة المرورية التي جرت أمام محكمة صلح جزاء العقبة بناءً على طعن المميز واعتراضه على مخطط الحادث في القضية الجزائية رقم (1581/2017) قد بينت وجود اهتراء على الأقفال الموجودة على الحاوية وانحناء في جسر هذه الأقفال الذي أدى إلى إزاحة الحمولة عن الشاحنة مع زيادة السرعة ووجود مطبات في الشارع مما أدى إلى تحرك الحاوية وانزلاقها عن المقطورة وسقوط البضاعة على الشارع وتلفها بالكامل كما هو واضح من خلال ضبط الإتلاف رقم (92/2017) الصادر عن مركز جمرك عمان المبين فيه أن المواد المتلفة مخالفة لتعليمات الغذاء والدواء والزراعة بعد أن تم معاينتها من قبل وزارة الصحة كما ورد في المشروحات المدونة على كتاب الجمارك رقم (د ج220/5/15/10490) تاريخ 9/7/2017 .

وحيث إن مصدر التزام المميز هي أحكام المسؤولية التقصيرية وفق أحكام المادة (256) من القانون المدني وأن كل إضرار بالغير يلزم فاعله ولو غير مميز بضمان الضرر متى توافرت المسؤولية وهي الخطأ والضرر وعلاقة السببية بينهما. وحيث إن الالتزام القانوني الذي يعتبر الإخلال به موجباً للتعويض وهو الخطأ الذي يتمثل في الالتزام ببذل عناية الشخص العادي وأنه إذا لم يراعِ الحيطة والحذر فيكون قد أخطأ ولا يستطيع نفي المسؤولية عن نفسه.

ولما كان الأمر كذلك وأن المدعية بحكم مسؤوليتها العقدية بموجب عقد التأمين على البضاعة كانت قد دفعت للمتضرر التعويض عن البضاعة التي أتلفت وكذلك الأضرار التي لحقت بالحاوية المؤمنة لديها وفق ما تقضي به أحكام المادة (929) من القانون المدني فإنه من حقها مطالبة المميز بما دفعته من ضمان وفق أحكام المادة (926) من القانون ذاته والحلول محل المؤمن له في هذه المطالبة الأمر الذي ينبني عليه أن الخصومة في هذه الدعوى متوافرة ويكون ما ورد بهذين السببين مستوجباً الرد.

ورد في حكم محكمة التمييز بصفتها الحقوقية رقم 5027 لسنة 2020 ما يلي:

إن الإصابات التي تلحق بالمضرور نتيجة حوادث السير إذا أدت إلى تشويه من شأنه التأثير على مركزه الاجتماعي ويخل بقدرته على الكسب فإن له الحق بالتعويض عن الضرر المادي والمعنوي الذي أصابه وفق أحكام المادتين 266، 267 من القانون المدني، وأن مالك المركبة وسائقها مسؤولان عن هذا التعويض حسب ما ورد في أحكام المادة (15) من نظام التأمين الإلزامي”.

إعداد/ د. محمد سعيد عبد المقصود.

[1] عايد على الحمدان، الأثار الاجتماعية للحوادث المرورية، مركز الدراسات والبحوث، جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية، الرياض، 2006، ص2.

[2] أنظر على بن صبيان الرشيدي، مهارات محقق الحوادث المرورية وأثرها في نجاح القضايا المرورية أثناء التحقيق، كلية التدريب، جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية، عمان، 2008، صــ 17.

[3] يوسف مظهر أحمد، بيان مدي مسئولية الأشخاص الجنائية في جرائم المرور، علوم الشريعة والقانون، المجلد 43، الملحق رقم 3، 2016، صـ 1384.

[4] عبد الله يوسف السويدي، المسئولية الجزائية عن جرائم المرور في التشريع الأردني والإماراتي، دراسة مقارنة، رسالة ماجستير مقدمة للجامعة الأردنية، كلية الدراسات الأردنية، 2006، صــ 30. و1- انظر مقال مشنور على موقع حماة الحق ، محامي تأمين ،

[5] عبد القادر الفار، مصادر الالتزام، دار الثقافة للنشر والتوزيع، عمان، 2019، صــ 195.

Scroll to Top