التوقيف التعسفي

التوقيف التعسفي

إن التوقيف إجراء تحقيقي خطير وذلك لأنه يشكل مساساً بالحرية الفردية، ولكن المصلحة المجتمعية تتطلب استخدامه عند وقوع بعض الجرائم، ولكي يحقق المشرع التوازن بين مصلحة المجتمع والتي تقضي بمحاسبة مرتكبي الجرائم ومنع هروبهم من وجه العدالة ، ومصلحة الفرد والتي تتمثل بعدم المساس أو تقيد حريته، نص على الأحكام القانونية التي تنظم إجراءات التوقيف في مرحلة التحقيق الابتدائي، ومن هذه الإجراءات ما يتعلق بمدة التوقيف، فقد حدد المشرع مدة التوقيف التي سمح بها القانون في مرحلة التحقيق الابتدائي، وفي حال تجاوز هذه المدة نكون أمام توقيف تعسفي وهو ما نصت عليه المادة 113 من قانون أصول المحاكمات الجزائية، فما هو المقصود بالتوقيف التعسفي؟، وما هي المدة التي يتعلق بها التوقيف التعسفي ؟، وكيف يتم الاستمرار بتوقيف المتهم رغم تجاوز المدة القانونية ؟.

جدول المحتويات

المقصود بالتوقيف التعسفي

الأثر المترتب على التوقيف التعسفي

التوقيف الإداري وسيلة لاستمرار توقيف المشتكى عليه

منع التوقيف التعسفي

التدابير البدلية للتوقيف

المقصود بالتوقيف التعسفي

نصت المادة 113 من قانون أصول المحاكمات الجزائية على التوقيف التعسفي، فجاء فيها :

إذا أوقف المشتكى عليه بموجب مذكرة إحضار وظل في النظارة أكثر من أربع وعشرين ساعة دون ان يستجوبه أو يساق الى المدعي العام وفقاً لما ورد في المادة السابقة اعتبر توقيفه عملاً تعسفياً ولوحق الموظف المسؤول بجريمة حجز الحرية الشخصية المنصوص عليها في قانون العقوبات الأردني .

وعليه من خلال النظر في هذا النص نجد أن المقصود بالتوقيف التعسفي هو وضع المشتكى عليه في النظارة لمدة تزيد عن أربع وعشرين ساعة دون تحويله للمدعي العام أو استجوابه، وإنني أرى أن التوقيف التعسفي ذات مفهوم أشمل يشمل مخالفة إجراءات التوقيف عامةً، فكل إجراء توقيفي تم بشكل مخالف مما هو منصوص عليه بالقانون هو من قبيل التوقيف التعسفي أيضاً، كتوقيف المشتكى عليه دون تبليغه لمذكرة التوقيف.

الأثر المترتب على التوقيف التعسفي

قيام المسؤولية الجزائية على الموظف الذي استمر باحتجاز المشتكى عليه لمدة تتجاوز المدة القانونية ، حيث يسأل الموظف ع جريمة حجز الحرية الشخصية والمنصوص عليها في قانون العقوبات الأردني في المادة 178 والتي جاء فيها :

كل موظف أوقف أو حبس شخصاً في غير الحالات التي ينص عليها القانون يعاقب بالحبس من ثلاثة أشهر الى سنة.

التوقيف الإداري وسيلة لاستمرار توقيف المشتكى عليه

إن التوقيف الإداري في الحقيقة هو وسيلة لاستمرار توقيف المشتكى عليه مع عدم وصول للتوقيف التعسفي، فيلجأ إلى استخدامه أعضاء الضابطة العدلية ،وهذه حقيقة يتم ممارستها على أرض الواقع وإن كانت لا تتفق مع أحكام القانون ، فالتوقيف إجراء تحقيقي لا يجوز في أي حال من الأحوال لضابطة العدلية استخدامه، بينما التوقيف الإداري يصدر عن السلطة التنفيذية ممثلة بالحاكم الإداري أو المحافظ، استنادا لقانون منع الجرائم، فهذا القانون يعطي الحاكم الإداري أو المحافظ صلاحية توقيف الأشخاص الذين يخشى منهم أن يتركبوا جرائم ولمدة غير محددة، قد تطول أو تقصر، وفقاً لصلاحيات الحاكم الإداري.

 فإذا أرادت الشرطة توقيف الشخص لديها لمدة تزيد على أربع وعشرين ساعة فإنها تلجأ للتوقيف الإداري، وذلك من خلال تحويل المشتكى عليه للمحافظ أو الحاكم الإداري لتوقيفه إدارياً مبررين ذلك بأنه قد يرتكب جرائم ذلك أن الأشخاص الذين يقبض عليهم لارتكابهم الجرائم فإن الجهة الموكلة بالتحقيق معهم الادعاء العام أو المحكمة الصلح إذا كانت القضية من اختصاص محكمة الصلح.

ولا بد من الإشارة إلا أن التوقيف الإداري وإن كان وسيلة يلجأ إليها أعضاء الضابطة العدلية إلا أنه مقيد بعدم التعسف باستعمال السلطة، فالتوقيف الإداري هو قرار إداري قابل للطعن به أمام محكمة العدل العليا .

منع التوقيف التعسفي

إذ يمنع توقيف أي شخص بصورة تعسفية لأي سبب كان ويترتب على ذلك :

1_ قيام المسؤولية الجزائية وفرض عقوبة على الموظف الذي تعسف في استخدام الحق في التوقيف.

2_ يفهم من نص المادة 112 من قانون أصول المحاكمات الجزائية أن المشرع أعطى لمأمور النظارة إيداع المشتكى عليه للمدعي العام فور انتهاء الأربع وعشرين ساعة وذلك من تلقاء نفسه ودون الرجوع إلى أحد ، وحتى دون طلب المدعي العام لذلك.

3_ أهمية ذكر تاريخ التوقيف في مذكرة التوقيف ، يدل على حرص المشرع على تحديد مدة بدء التوقيف وذلك لتحديد تاريخ انتهائه وعدم التعسف في التوقيف بتجاوز المدة القانونية.

التدابير البدلية للتوقيف

نصت المادة 114 مكررة على التدابير البدلية للتوقيف وهي :

أ. الرقابة الإلكترونية.
ب. المنع من السفر .
ج. الإقامة في المنزل أو المنطقة الجغرافية للمدة التي يحددها المدعي العام أو المحكمة وتكليف الشرطة بالتثبت من ذلك.
د. إيداع مبلغ مالي أو تقديم كفالة عدلية يعين المدعي العام أو المحكمة مقدار كل منهما.
ه. حظر ارتياد المشتكى عليه أماكن محددة.

متى يلجأ المدعي العام لفرض التدابير البديلة؟

فإذا  توفرت لدى المدعي العام القناعة بأن إجراءات التحقيق تسير على أكمل وجه ودون معوقات فإنه من المفترض به عدم اللجوء إلى التوقيف كون التوقيف تدبير استثنائي ، أو اللجوء للتدابير البديلة أما إذا تحققت القناعة لدى المدعي العام أن أسباب التوقيف متوفرة ولكنه لا يرغب باللجوء إلى التوقيف لما هو معروف عنه من آثار قاسية على المشتكى عليه فإنه يستعيض عنه باللجوء إلى التدابير البديلة، بمعنى أنه يلجأ للتدبير البديل ابتداءً وفي هذه الحالة إذا كان التدبير الذي لجأ إليه المدعي العام هو من التدابير المقيدة للحرية فإنه بحكم المنطق يأخذ حكــــم التوقيف من حيث بداية المدد ونهايتها إذ لا يعقل أن يكون الإجراء البديل المقيد للحرية أشد وطأة على المشتكى عليه من الإجراء الأصلي (التوقيف) المانع للحرية، أما إذا لجأ المدعي العام ابتداءً إلى التدابير البديلة التي تعتبر إجراءات ضمان الحضور وقت الطلب (الكفالة العدلية والإيداع النقدي) فلكونها إجراءات لا تمس الحرية والحضور قد يكون مطلوباً في أية مرحلة من مرحلتي التحقيق والمحاكمة فإنه بحكم العقل والمنطق لا بد أن تنتهي هذه التدابير بانتهاء الدعوى ولا تنسحب عليها مدد التوقيف والتدابير المقيدة للحرية.

هل من الممكن أن يتم استبدال التدبير بآخر ؟

 وقد منح المدعي العام أو المحكمة استبدال تدبير بآخر إذا طلب المشتكى عليه ذلك أما إذا طلب إنهاء التدبير المقيد للحرية فهنا نجد أنه لا يوجد ما يمنع من استبدال التدبير المقيد للحرية بالكفالة أو الإيداع المالي المناسب شريطة عدم التعسف كما أشرنا بالرغم من أن الطلب وارد من المشتكى عليه لإنهاء التدبير .

متى يستطيع المدعي العام أو المحكمة فرض التدابير البديلة عن التوقيف ؟

في الأحوال التي يجوز فيها التوقيف في الجنح أن يستعيض عن التوقيف بواحد أو أكثر من التدابير، كما يمكن للمدعي العام أو للمحكمة تلقائيا أو بناء على طلب النيابة العامة أو المتهم أن ينهيا أو يضيفا تدبيرا أو أكثر من التدابير.

من اجتهادات المحاكم الأردنية فيما يتعلق بالتوقيف التعسفي

الحكم رقم 3632 لسنة 2019 – محكمة التمييز بصفتها الجزائية

1_  ومن الملاحظ أن المشرع الأردني قد واكب وتماشى مع التطورات المتعلقة بالاتفاقيات والمعاهدات الدولية المستهدفة ضمان الحرية الشخصية ومبدأ المحاكمة العادلة ووضع ضوابط شفافة ومدد محددة من حيث متى يكون التوقيف وما هي الشروط الواجب توافرها للجوء إليه والسقف الزمني لاستمراره سواء في القضايا الجنحوية أم الجنائية وبهذا فإن المشرع الأردني قد أفصح عن فهمه وتقديره لمدى خطورة التوقيف على الحرية الشخصية وقساوته على الفرد محترزا بضوابط ومدد شديدة الوضوح كي لا يستغل إجراء التوقيف لغايات التعسف بحق الشخص المشتكى عليه أو للضغط عليه للحصول منه على تسويات في دعاوى في الأصل طابعها مدني.

2_  نجد أن قرار المدعي العام باستبدال قرار منع السفر الصادر عنه بحق المشتكى عليه (حميد أكرم حميد النجار) بكفالة عدلية بقيمة خمسة ملايين دينار فيه مغالاة واضحة جعلت تدبير منع السفر أقل وطأة عليه من تقديم تلك الكفالة وبذلك يكون المدعي العام قد خالف الغاية التي ابتغاها المشرع من التدابير البديلة للتوقيف الواردة في المادة (114 مكررة) من قانون أصول المحاكمات الجزائية وتكون محكمة البداية بصفتها الاستئنافية بقرارها الصادر بالأكثرية قد أصابت بإنهاء منع السفر بحق المشتكى عليه من حيث النتيجة وليس من حيث التسبيب الأمر الذي يترتب عليه رد الطعن التمييزي .

  لذا نقـــــــــرر رد الطعن التمييزي موضوعاً وإعادة الأوراق إلى مصدرها .

إعداد المحامية : ليلى خالد.

error: Alert: Content is protected !!