إجراءات التوقيف
إن التوقيف أحد إجراءات التحقيق الابتدائي، وهو إجراء ملازم لإجراء القبض، فبعد القبض على المشتكى عليه المتهم ومثوله أمام المدعي العام أو المحكمة واستجوابه ، قد يتم إصدار أمر بتوقيف المشتكى عليه المتهم وذلك نظراً ووفقاً لما يتوافر من مبررات وأسباب تستدعي توقيفه، فالتوقيف إجراء احتياطي من إجراءات التحقيق يقصد به تغليب مصلحة المجتمع على مصلحة الفرد من خلال تحقيق مصلحة التحقيق ذاته والتي تتمثل بإتباع كافة إجراءاته بحزم بما يحقق معه مفهوم العدالة القضائية فما هو المقصود بالتوقيف، وما هي مبرراته، وشروط صحته وما هي أماكن تنفيذ التوقيف ؟ .
المقصود بالتوقيف
هو إجراء احتياطي يوضع بموجبه المشتكى عليه وبأمر من جهة قضائية مختصة في الحبس لمدة محددة قانوناً، ووفقاً لما تقتضيه مصلحة التحقيق، وضمن ضوابط حددها القانون [1].
فالتوقيف معاملة من معاملات التحقيق الابتدائي ، وهو من أشد الإجراءات خطورة ، لما فيه من مساس بالحرية الفردية، فقد جاء بنص المادة 8 من الدستور الأردني أنه لا يجوز أن يوقف أحد أو يحبس إلا وفق أحكام القانون ، لذلك حرص المشرع على النص على الأحكام التي تنظم التوقيف في قانون أصول المحاكمات الجزائية الأردني.
الخطورة التي تنطوي عليها معاملة التوقيف
إن التوقيف إجراء خطير لما فيه من تناقض بين مصلحتين متعارضتين هما مقتضيات حرية الفرد ووجوب احترامها، وسلطة الدولة في العقاب [2]، فالتوقيف إجراء مناقض لمبدأ المتهم بريء حتى تثبت إدانته، فما دام أن هذا المبدأ ينفي إلصاق الجرم بالمشتكى عليه إلا بإدانته بحكم من المحكمة، فلماذا يتم توقيفه؟، فالحقيقة أن التوقيف تبرره المصلحة العامة فلا بد من توقيف المتهم لضمان اكتمال إجراءات التحقيق للكشف عن حقيقة الوقائع الجرمية المرتكبة ومدى نسبتها إلى المشتكى عليه ، وأيضا حماية للجاني والمجتمع من هروب المتهم وضياع تحقيق العدالة في إيقاع الجزاء القانوني المناسب عليه، ونظراً لهذه الخطورة ومساسها بحرية الفرد، فقد حدد المشرع الحالات التي يجوز فيها التوقيف، وأحاطه بضمانات تكفل للمتهم عدم إساءة استخدامه، وأيضا تكفل للمجتمع تحقيق العدالة القضائية في معاقبة مرتكبي الجرائم .
التوقيف والحكم بالحبس
إن التوقيف إجراء مؤقت محدد بفترة زمنية معينة، وهو ليس عقوبة ، ويجب أن يكون مختلفاً في تنفيذه عن عقوبة الحبس المحكوم بها بقرار قضائي فاصل في الدعوى وصادر عن محكمة مختصة.
هل معاملة التوقيف يتم استخدامها عند التحقيق في كل جريمة ؟
لا، فالتوقيف غير جائز في كل جريمة .
مبررات التوقيف
بين المشرع مبررات التوقيف وبين حدود التوقيف، وذلك حتى لا يتم استخدامه بشكل عشوائي وخاطئ ومبررات التوقيف ثلاثة هي :
1_ إن التوقيف إجراء أمن، فهو يحفظ الأمن في المجتمع وذلك بإرضاء رغبة المجتمع من خلال زرع شعور الثقة بعدالة الأجهزة القضائية، كما يمتص غضب المجني عليه وذويهما يحول دون الإقدام على ارتكاب أفعال قد تعد جرائم بحد ذاتها، كما أن التوقيف بحد ذاته يحمي المتهم من أن يتم الاعتداء عليه.
2_إن التوقيف إجراء تحقيقي لابد من استخدامه عن توافر أسبابه ، فهو يمكن النيابة العامة من استجواب المتهم ، ومواجهته بالشهود أثناء التحقيق، ويمنع المتهم من محاولة إخفاء الأدلة الجرمية أو العبث فيها.
3_ إن التوقيف ضمانة لعدم هروب المتهم، وضمان لتنفيذ الحكم إذا ما صدر بحقه حكم بالإدانة، ولا بد من الإشارة إلى أن مدة التوقيف يتم حسمها من مدة العقوبة المحكوم بها.
4_إن التوقيف إجراء احترازي، يحول دون عودة المتهم إلى ارتكاب الجريمة، أو لوقاية المتهم الموقوف من احتمالات تعرضه لأفعال انتقامية من جانب المجني عليه أو ذويه، وبذلك فإن حماية المجتمع من الأفعال الإجرامية التي قد ترتكب لاحقاً، وقد تصلح هدفاً ومبرراً للتوقيف [3].
شروط التوقيف
لكي يكون التوقيف إجراء سليم لابد من أن تتوافر فيه الشروط التالية:
1_أن يصدر أمر بالتوقيف عن جهة قضائية مختصة بإصداره
لا بد أن يصدر الأمر بالتوقيف عن جهة قضائية مختصة بإصداره، والجهات القضائية التي تمتلك حق إصدار الأمر بالتوقيف هي النيابة العامة، وقاضي الصلح والمحاكم التي تحال إليها الدعوى الجزائية.
هل يجوز أن يصدر أمر التوقيف عن أعضاء الضابطة العدلية ؟
لا يجوز لأي أحد من أعضاء الضابطة العدلية أن يصدر أمر بالتوقيف بأي حال من الأحوال.
2_أن يصدر الأمر بالتوقيف في الجرائم التي يجوز فيها التوقيف
إن التوقيف غير جائز في جميع الجرائم، وهذا ما أكد عليه المشرع من خلال نصوصه في قانون أصول المحاكمات الجزائية في المواد 111،131،114، والتي يفهم منها أن التوقيف جائز في الجرائم التالية:
1_ في الجنايات عموماً.
2_ في الجنح المعاقب عليها بالحبس لمدة تزيد عن سنتين.
3_ في جنح الإيذاء المقصود أو الإيذاء غير المقصود أو السرقة ، وبغض النظر عن مدة العقوبة.
3_أن يكون المشتكى عليه المتهم قد تجاوز المرحلة العمرية للحدث.
ذلك أن الحدث ناقص الأهلية، لا يجوز توقيفه، ويجب مقاضاته حسب قانون الأحداث، فهناك حدث عديم الأهلية لا عقاب عليه وذلك بصريح النص في قانون الأحداث ، حيث أنه لا يعاقب الولد الذي أتم السابعة من عمره ولم يتم الثانية عشرة من عمره، إلا أنه تفرض عليه تدابير الحماية، أما الحدث الذي أتم الثانية عشرة من عمره، فهو أيضاً لا يجوز توقيفه ، وإنما تتخذ بحقه بعض التدابير التي تحول دون هروبه ، فيتم إيداعه في إحدى دور الرعاية ، فالأحداث لا يجوز وضعهم في السجون أي في مراكز الإصلاح والتأهيل وإنما في أماكن مخصصة بهم.
4_أن تكون هناك دلائل كافية على إتهام المشتكى عليه بالجريمة المنسوبة إليه
إن وجود دلائل كافية على أن يكون المشتكى عليه محل إتهام بالجرم المنسوب إليه هو شرط ومبرر في آن واحد، فوجود الدلائل الكافية التي تربط المشتكى عليه بالجريمة المنسوبة إليه هو الذي يبرر المساس بحريته عن طريق إصدار الأمر بتوقيفه، مما يجعل التوقيف صحيحاً ، ويرجع تقدير مدى كفاية الدلائل الموجبة للتوقيف من عدم كفايتها إلى سلطة المدعي العام ، وهو خاضع في ذلك لرقابة محكمة الموضوع ، ولا بد من الإشارة إلى أن الدلائل التي تبرر التوقيف لا يلزم أن تكون بقوة الأدلة التي تُبنى عليها الأحكام بالإدانة.
4_ أن يتم استجواب المشتكى عليه قبل توقيفه
لا يجوز للمدعي العام أو لقاضي الصلح أن يقوما بتوقيف المشتكى عليه المتهم قبل استجوابه، وهذا ما أكد عليه كلاً من قانون الصلح وقانون أصول المحاكمات الجزائية، فالاستجواب يمنح المدعي العام الاطلاع على كافة المبررات التي توجب التوقيف من عدمه، ويمنح المشتكى عليه فرصة للدفاع عن نفسه، ومنع تحريك دعوى الحق العام ضده.-
التوقيف الإجباري والتوقيف الجوازي
يكون التوقيف إجبارياً في الجنايات المعاقب عليها بالإعدام أو الأشغال المؤقتة أو الاعتقال المؤبد، وذلك سنداً لنص المادة 114 فقرة 3 من قانون أصول المحاكمات الجزائية.
ويكون التوقيف جوازاي للمدعي العام في الجنايات المعاقب عليها بعقوبة مؤقتة، أما في الجنج فإن التوقيف أمر جوازي للمدعي العام اتخاذه في حال كانت عقوبة الجنحة تزيد عن سنتين.
ما هي الجرائم التي لا يجوز التوقيف فيها ؟
في الجنح المعاقب عليها بالغرامة ، والتي تقل عقوبة الحبس فيها عن سنتين ، وفي المخالفات.
الحكم ببطلان التوقيف لعدم كفاية الأدلة
إذا تبين لمحكمة الموضوع أن التوقيف قد وقع باطلاً لتخلف الدلائل الكافية، فلها أن تحكم ببطلان ما يترتب عليه من إجراءات، وأن تستبعد الدليل المستمد منهم الأخذ بعين الاعتبار أن الدلائل التي تبرر التوقيف لا يلزم بأن تكون بقوة الدلائل التي تبرر إصدار الحكم بالإدانة.
مكان تنفيذ التوقيف
يتم تنفيذ أمر التوقيف في أحد دور الإصلاح والتوقيف بموجب مذكرة التوقيف التي تصدر عن المدعي العام أو قاضي الصلح، ولا بد من الإشارة هنا إلى أماكن التوقيف ليست تلك السجون التي يوضع فيها المحكوم عليهم فالتوقيف إجراء احتياط مؤقت وليس عقوبة محكوم بها عليه، وذلك حمايةً للمشتكى عليه الموقوف من مساوئ الاختلاط بغيره من السجناء الموقوفين المحكومين.
مدة التوقيف
التوقيف إجراء مؤقت ، وذات مدة محددة في القانون لا يجوز تجاوزها ، وقد حدد قانون أصول المحاكمات الجزائية مدة التوقيف بحسب الجهة التي أصدرت الأمر به على النحو التالي:
فتكون مدة التوقيف لا تتجاوز سبعة أيام إذا كان الفعل المسند إليه معاقباً عليه بالحبس مدة تزيد على سنتين، ولمدة لا تتجاوز خمسة عشر يوماً إذا كان الفعل من نوع جناية مع توافر الأدلة ، وله أن يجدد تلك المدة في حال اقتضت مصلحة التحقيق ذلك، على أن لا يجوز أن يتجاوز التمديد ستة أشهر في الجنايات، وشهرا في الجنح ، وثلاثة أشهر في الجنايات المعاقب عليها بعقوبة مؤقتة، وفي حال رأى المدعي العام ضرورة تجديد التمديد، فعليه أن يرسل الملف التحقيقي للمحكمة المختصة ، وللمحكمة بعد الاطلاع على مطالعة المدعي العام وسماع أقوال المشتكى عليه أو وكيله والاطلاع على أوراق التحقيق أن تقرر تمديد مدة التوقيف لمدة لا تتجاوز ثلاثة أشهر في كل مرة بالنسبة للجنايات ، على أن لا يزيد مجموع التمديد في جميع الأحوال على سنة في الجنايات المعاقب عليها بعقوبة مؤقتة أو ثمانية عشر شهراً في الجنايات الأخرة ، أو تقرر الإفراج عن الموقوف بكفالة أو بدونها،
ولا يجوز أن تزيد مدة التوقيف والتمديد في مرحلتي التحقيق والمحاكمة على ربع الحد الأقصى للعقوبة المحددة للجريمة الجنائية المؤقتة.
شروط تجديد تمديد مدة التوقيف
يشترط عند تجديد مدة التوقيف سماع أقوال المشتكى عليه الموقوف مما يعتبر ضمانة لهذا المشتكى عليه ،وفرصة له لإبداء دفاعه، وبيان ظروفه أمام المحكمة .
انقضاء التوقيف
ينقضي التوقيف بإخلاء سبيل المشتكى عليه عند انتهاء مدة التوقيف، أو عند زوال مبررات التوقيف.
خصم مدة التوقيف من مدة العقوبة المحكوم بها
كما أشرنا إلى أن مدة التوقيف يخصم منها مدة العقوبة التي يحكم بها المتهم، وذلك من باب تحقيق العدالة القضائية، ويلاحظ أن المشرع الأردني قد أغفل مدة القبض عند احتساب مدة العقوبة المحكوم بها، وكان ينبغي ، تحقيقاً للعدالة، أن يتم احتساب مدة التوقيف بحقه، وذلك إسوة بالمشرع المصري الذي ينص على ان تبتدئ مدة العقوبة المقيدة للحرية من يوم القبض على المحكوم عليه، بناءً على الحكم الواجب التنفيذ مع مراعاة إنقاصها بمقدار مدة الحبس الاحتياطي ومدة القبض[4].
مسودة مشروع القانون المعدل لقانون أصول المحاكمات الجزائية
نص المشرع في مشروع القانون المعدل لقانون أصول المحاكمات الجزائية لسنة2021 على مجموعة من التعديلات في نصوص القانون، ومنها ما جاء في المادة 114 حيث جاء فيها التعديل كالتالي:
1_إلغاء عبارة (شهراً واحداً) الواردة في الفقرة الثانية، والاستعاضة عنها بكلمة شهرين، فالقانون الحالي ينص على أن لا تتجاوز مدة التوقيف شهراً في الجنح ، والمشرع في مسودة القانون جعل مدة التوقيف لا تتجاوز الشهرين.
2_بإضافة عبارة (ويخضع قراره في ذلك للطعن أمام المرجع المختص) إلى أخر الفقرة 6 منه حيث أن هذه العبارة غير منصوص عليها في القانون الحالي وعليه فإن مسودة المشروع تخضع قرار المدعي العام بخصوص استرداد مذكرة التوقيف للطعن أمام المرجع المختص.
من اجتهادات المحاكم الأردنية فيما يتعلق بالتوقيف
الحكم رقم 2123 لسنة 2021 – محكمة التمييز بصفتها الجزائية: خصم مدة التوقيف من مدة العقوبة المحكوم بها.
3_ونظراً لإسقاط الحق الشخصي الذي تعتبره المحكمة من الأسباب المخففة التقديرية وعملاً بأحكام المادة (99/4) من قانون العقوبات قررت المحكمة: –
أ- الحبس لمدة سنة ونصف والرسوم والنفقات بالنسبة للمتهم إبراهيم محسوبة له مدة التوقيف.
ب- الحبس لمدة سنة والرسوم والنفقات بالنسبة للمتهم أيوب محسوبة له مدة التوقيف.
الميثاق العربي لحقوق الإنسان لسنة2004.
المادة 14:
- لكل شخص الحق في الحرية وفي الأمان على شخصه ، ولا يجوز توقيفه أو تفتيشه أو اعتقاله تعسفا وبغير سند قانوني .
2. لا يجوز حرمان أي شخص من حريته الا للأسباب والأحوال التي ينص عليها القانون سلفا وطبقا للإجراء المقرر فيه .
3. يجب إبلاغ كل شخص يتم توقيفه ، بلغة يفهمها ، بأسباب ذلك التوقيف لدى وقوعه ، كما يجب إخطاره فورا بالتهمة أو التهم الموجهة اليه ، وله حق الاتصال بذويه .
4. لكل شخص حرم من حريته بالتوقيف أو الاعتقال حق الطلب في العرض على الفحص الطبي ، ويجب إبلاغه بذلك .
5. يقدم الموقوف أو المعتقل بتهمة جزائية دون تأخير أمام أحد القضاة أو أحد الموظفين المخولين قانونا بمباشرة وظائف قضائية ، ويجب ان يحاكم خلال مهلة معقولة أو يفرج عنه ، ويمكن ان يكون الإفراج عنه بضمانات تكفل حضوره المحاكمة ، وفي كل الأحوال لا يجوز ان يكون الحبس الاحتياطي هو القاعدة العامة .
6. لكل شخص حرم من حريته بالتوقيف أو الاعتقال حق الرجوع الى محكمة مختصة تفصل دون إبطاء في قانونية ذلك ، وتامر بالإفراج عنه إذا كان توقيفه أو اعتقاله غير قانوني .
7. لكل شخص كان ضحية توقيف أو اعتقال تعسفي أو غير قانوني الحق في الحصول على تعويض .
إعداد المحامية : ليلى خالد
[1] د. محمد سعيد نمور أصول الإجراءات الجزائية دار الثقافة للنشر والتوزيع،2021،ص 402.
[2] د. أحمد فتحي سرور، الوسيط في قانون الإجراءات الجنائية ،المجلد الأول، دار النهضة العربية، القاهرة ، الطبعة الرابعة،1981،ص777.
[3]. د. محمد سعيد نمور، أصول الإجراءات الجزائية، دار الثقافة للنشر والتوزيع،2021،ص404
[4] د. حسن وخدار، شرح قانون أصول المحاكمات الجزائية الأردني، الطبعة الأولى،1993،ص86.