مدى قانونية تسريبات بنك كريدي سويس

تسريبات بنك كريدي سويس

يُعد بنك كريدي سويس ثاني أكبر البنوك السويسرية والذي تم تأسيسه عام 1856 في مدينة زيورخ السويسرية، حيث يمتلك فروعاً في أكثر من 50 دولة تضم موظفين ينتمون إلى أكثر من 170 دولة على مستوى العالم، وهذا البنك تتولى إدارته شركة Credit Suisse Group، وهي شركة قابضة متعددة الجنسيات ” دولية النشاط” متخصصة في الخدمات المالية.

ولقد انهالت العديد من الاتهامات الدولية الموجهة إلى البنك والتي تجريها العديد من وسائل الإعلام حول تورطه في استقبال أموال ناتجة عن ممارسات الفساد التي ارتكبت خصيصا من كبار المسئولين في العديد من الدول. وذكرت صحيفة لوموند الفرنسية (حسب ما نشرت) أن تورط البنك في استقبال الأموال التي تُعد ثمرة ممارسات الفساد القائم بها المسئولين السياسيين في العديد من الدول ليست بالأمر الطارئ على البنك، حيث ذكرت الصحيفة اعتياد البنك على استقبال تلك الأموال المشبوهة على مدى عقود سابقة.

ففي مساء الأحد 20 فبراير/ شباط عام 2022 تم اتهام بنك كريدي سويس (وهي اتهامات إعلامية) بأنه استقبل أموالاً ناتجة عن ممارسات الفساد المرتكبة من قبل كبار السياسيين وكبار المسئولين في العديد من الدول، وكان ذلك نتيجة التسريبات التي تم إرسالها إلى صحيفة زود دويتشة تسايتونغ الألمانية من مصدر مجهول أرسلها على صندوق بريد آمن.

وقد ذكرت الصحيفة أن تلك التسريبات كشفت عن أرصدة نقدية تجاوز مئة مليار دولار لأكثر من ثمانية عشر ألف حساب. وهذا ما دعا الصحيفة الألمانية إلى الاشتراك في مشروع بلاغ عن الجريمة المنظمة والفساد وذلك بالتكاتف مع أكثر من 40 منصة إعلامية حول العالم.

حيث من خلال تلك التسريبات تم الإفصاح عن حسابات لقادة وسياسيين من مختلف دول العالم بعضهم ينتمي إلى الدول العربية والبعض الأخر ينتمي إلى دول أجنبية، وكان على رأس هؤلاء:

– نجلي الرئيس الراحل محمد حسني مبارك ” جمال وعلاء مبارك “:

تبين من خلال التسريبات أن ” جمال وعلاء مبارك ” لديهم حسابات بها ما يزيد على 197.8 مليون دولار.

وجديراً بالذكر أن الممثلين القانونيين لنجلي الرئيس السابق محمد حسني مبارك ” علاء وجمال مبارك “، أكدوا على أن أرصدتهم الخاصة بها أموال تم التحصل عليها من خلال استثمارات أعمال وأنشطة مشروعة، وأن كافة التحقيقات التي تمت من خلال الأجهزة السويسرية المختصة لم تكشف عن ثمة انتهاك للقانون.

– عمر سليمان:

كشفت التسريبات أن عمر سليمان مدير جهاز المخابرات السابق في عهد الرئيس الراحل محمد حسني مبارك لديه حساب في بنك كريدي سويس تم إنشائه عام 2007 مودع به 26 مليون دولار.

– حسين سالم:

تبين من خلال التسريبات أن لحسين سالم حساب في بنك كريدي سويس، ولقد كان سالم أحد مستشاري الرئيس الراحل محمد حسني مبارك والذي كان موجه له العديد من الاتهامات في قضايا فساد إلا أن القضاء أظهر براءته عام 2019 وذلك بعدما أبرم اتفاق تصالح مع الحكومة المصرية قبل وفاته بعدة شهور تنازل بموجبه للحكومة المصرية عن معظم أمواله المودعة في البنك.

– نائب الرئيس السوري السابق عبد الحلم خدام:

والذي تبين أن حسابه الذي تم إنشاؤه عام 1994 يحتوي على ما يزيد على 68 مليون دولار.

– الملك عبد الله الثاني وزوجته الملكة رانيا:

فقد زعمت التسريبات أن جلالة الملك عبد الله الثاني ملك المملكة الأردنية الهاشمية لديه 6 حسابات بنكية بالإضافة إلى حسابين للمشكلة رانيا، وتزعم أن بعض تلك الحسابات أودع بها ما يزيد على 224 مليون دولار.

ولكن تجدر الإشارة إلى أن الديوان الملكي الأردني أصدر بيان في 21 فبراير/ شباط لعام 2022 أوضح فيه أن أموال الملك وأصوله المودعة في البنك مستقلة تماماً عن خزينة الدولة وليس لها علاقة بالأموال العامة، وأهدر صحة المعلومات التي تم تسريبها ونعتها بأنها معلومات قديمة مضللة، وأن الرصيد الذي تم ذكره غير دقيق، حيث ذكر الديوان الملكي الأردني أن التسريب ينطوي على أضعاف الأموال المودعة بالفعل وذلك ناتج عن تكرار احتساب نفس الأرصدة عدة مرات.

وأضاف الديوان الملكي الأردني أن الجزء الأكبر من رصيد الملك في حساباته الخاصة ناتج عن بيع الملك لطائرته الخاصة التي ورثها عن أبيه الراحل “الملك الحسين بن طلال” والتي تم بيعها بمبلغ 212 مليون دولار، وتم الاستعاضة عنها بطائرة أصغر وأقل كلفة.

وأن المبلغ الذي موضوع التقارير الصحفية عبارة من فارق ثمن الطائرتين كان بغرض تغطية النفقات الخاصة للعائلة الهاشمية فضلاً عن استغلال تلك المبالغ في تمويل المبادرات الملكية المختلفة خلال السنوات الماضية.

في حين أن حساب أبناء الملك والذي تم تسجيله باسم الملكة رانيا فُتح بأموال الملك الشخصية وأن الأموال المودعة به هي خاصة بأولاد الملك، ولكن تحت ولاية الملكة رانيا.

– الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة ” رئيس الجزائر السابق”:

والذي كشفت التسريبات أن حسابه المشترك ينطوي على مليون ومائة ألف دولار فضلاً عن امتلاك وزير دفاعه خالد نزار ما يعادل 900 ألف دولار، وهذا الحساب تم إنشائه عام 2005 وظل مفتوحاً حتى 2013.

– الديكتاتور الفلبيني فرديناند ماركوس وزوجته إيميلدا:

حيث كشفت التسريبات أنهما يمتلكان حسابات في بنك كريدي سويس، وغني عن البيان أنهما اتهما في اختلاس ما يزيد على 10 مليار دولار من الفلبين خلال فترة رئاسة فرديناند ماركوس.

– السلطان الراحل قابوس بن سعيد:

أظهرت التسريبات أن لديه حسابين مودع في أحدهما 183 مليون دولار.

– الفاتيكان:

كشفت التسريبات أن الفاتيكان يمتلك حساب في بنك كريدي سويس تم استخدامه لإنفاق 394 مليون دولار بذريعة استثمار عقاري في لندن، وتبين أن الاستثمار وهمي لا وجود له، حسب المزاعم الصحفية.

* بيان عن بنك كريدي سويس:

أصدر بنك كريدي سويس بيان أوضح من خلاله رفضه التام لكافة المزاعم التي أثيرت حوله، وأن كافة المزاعم المُثارة هي مجرد ادعاءات جزئية مقتطعة تواري الحقيقة الكاملة والتي تختلف تماماً عما أثير حول البنك وقبوله لأموال ناتجة عن أعمال مشبوهة وممارسات فاسدة.

ولقد أكد البنك السويسري أن 90% من الحسابات تم إغلاقها أو مازالت في طور الإغلاق حيث أكد أن 60% من تلك الحسابات تم إغلاقها بالفعل قبل مطلع عام 2015.

مدى قانونية هذه التسريبات

بشكل عام لا يمكن التعويل على هذه التسريبات من ناحية قانونية، فهي لا تتجاوز حد الشائعات ما دامت لم توثق بأوراق واضحة تدل دلالة دقيقة على حقيقتها.

هل يعتبر امتلاك حسابات في سويسرا عمل غير قانوني؟

بشكل عام لا يوجد ما يحول بين الشخص وحريته في استثمار أمواله، وله الحرية المطلقة في إيداع أمواله في أي مكان، ولا يوجد دولة في العالم تحظر على الشخص أن يخرج أموالاً خارج البلاد.

هل قيام كبار المسؤولين بفتح حساب بنكي خارج دولته أمر غير قانوني؟

بشكل عام لا يوجد ما يمنع أي مسؤول من فتح حساب بنكي في أي دولة في العالم، والعبرة تكون فقط بمشروعية الأموال وليس أين موجودة، لكن ذلك يعتبر مأخذ على الشخص ذي المكانة السياسية، ويعتبر من قبيل ضعف الولاء للدولة التي يعمل بها، خاصة إذا ما كان يحض في الظاهر على الاستثمار في دولته، بينما يقوم هو بإيداع الأموال واستثمارها في دول أخرى، ومثال ذلك ما كان يفعله نجلي الرئيس المصري السابق.

هل إيداع الأموال في البنوك السويسرية يعتبر استثماراً؟

الإيداع غالبا يكون مقابل فائدة، ولكن إذا ما علمنا أن أسعار الفائدة في سويسرا تعتبر الأقل في العالم، لا بل أن الفائدة سالبة، أي أن المودع يخسر بمجرد إيداع أمواله في بنوك سويسرا بسبب حجم السيولة الهائلة الناجمة عن فائض المال الأجنبي (انظر https://www.swissinfo.ch/ara/ 45427954/ أسعار-الفائدة-السلبية-تؤرق-المدخرين-في-سويسرا

ومن المثير أن بنك كريدي سويس يسجل خسارة في الربع/4 وانخفاضا سنويا 22% وفق وكالة رويترز.

لماذا تودع الأموال في البنوك السويسرية؟

كما ذكرنا فقد لا يكون الاستثمار سبباً للإيداع، والسبب الحقيقي هو السرية المصرفية التي تفرضها التشريعات السويسرية، إضافة إلى المهنية المصرفية التي تتمتع بها البنوك السويسرية، واعتيادها استقبال كبار السياسيين في العالم، ويُتصوّر أن تترك هذه التسريبات أثراً بالغاً على القطاع المصرفي السويسري، الذي قد يطال بعض المصارف في دول أخرى، وبنوك اعتادت الاحتفاظ بثروات طائلة.

هل الإيداع في البنوك السويسرية يعتبر طوق نجاة للسياسي؟

بلا شك أنه لن يكون طوق نجاة، فالتجارب كلها أثبتت أن الرؤساء السابقين لم تنفعهم أموالهم في البنوك السويسرية، ومثال ذلك أموال عائلة القذافي وزين العابدين وغيرهم، فما زالت هناك، فلا هم استفادوا ولا أفادوا منها وحرمت أوطانهم منها. لا بل أن مثل تلك الأموال قد تكون أمراً بالغ الخطورة على الشخصيات العامة.

ماذا على السياسيين الذي ورد ذكرهم أن يفعلوا؟

 الأفضل للقادة والزعماء الذين ورد ذكرهم في تلك التقارير، أن يقوموا بسحب أموالهم من سويسرا ومن أية بنوك في العالم، وإيداعها في مصارف محلية في دولهم، وعليهم أن يقوموا باستثمار أموالهم بمشاريع اقتصادية من شأنها تشغيل العمال المحلية وتخفيف نسب البطالة المرتفعة، ومثال ذلك البطالة المرتفعة في جمهورية مصر العربية.

في مقال مشابه انظر تسريبات وثائق ومرسالات شركة أوبر ، ومقال مدى قانونية تسريبات بنك كريدي سويس. ومقال السرية المصرفية في سويسرا، ومقال وثائق باندورا ، ومقال وثائق بنما .